وسياسياً في بغداد ، وهو أول من سبع القراءات القرآنية في كتابه : « القراءات السبع » (١) وقد حقّقه ونشره أستاذنا الدكتور شوقي ضيف.
لقد كان المنهج الموضوعي الذي اختطته مدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم ، منهجاً يواكب أحدث المداليل العصرية للبحث المبتكر ، وكان نموذج هذا المنهج ـ فيما بعد عصري التكوين والتأصيل ـ هو أبو زكريا الفرّاء ( ت : ٢٠٧ ه ) في « معاني القرآن » ، فقد كان إمتداداً تراثياً متطوراً لما سبق ، وممثلاً جامعياً للتدوين المنظم والمتسلسل ، فقد فسر القرآن الكريم سورة سورة حتى أتى عليه ، وهو يبحث في هذا النوع من التفسير اللغوي المتميز ، المفردات العلمية التالية في الأعم الاغلب ؛ وهي : تراكيب الجمل والاعراب والاشتقاق ، القراءات أصولها وموقفه الاجتهادي منها ، فقدم وأخر وأفتى وأستنبط ، ورجح وقوم بذائقة فنية. وقد عني بالايقاع السمعي للألفاظ ، والجرس الناغم في الكلمات ، واسترسل في بيان الميزان الصرفي للمفردات ، وملاحظة النسق الصوتي في الفواصل ، وأظهر القيمة الصوتية في العبارات ، وقد قارن بين وزن الشعر ووزن القرآن ، وتحدث عن مراعاة السياق ، وترتيب السجع ، وعرض لجملة من أصناف البديع ، وترشحت من خاطره مباحث بلاغية معدودة من نظراته الثاقبة ، وفكره النير أملتها عليه طبيعة البحث اللغوي ، فكان للتشبيه نصيب مما كتب ، وللتمثيل إطار خاص ، وللمجاز مجال جميل ، وللأستعاره معانٍ قرآنية متأصلة ، وهو في كل ذلك لم يخرج عن المنهج اللغوي للتفسير ، وإن استعان على فهم الآية بأختها ، وعلى كشف النص بالرواية ، وعلى تدوين اللغة من الأثر.
لقد أثر هذا المنهج للمدرسة الكوفية بعامة ، كما أثر غيره من إفاضات مدرسة الكوفة في المناحي الانسانية ، في ثلاثة من عمالقة التفسير القرآني ، هم :
١ ـ أبو جعفر ، محمد بن جرير الطبري ( ت : ٣١٠ ه ) في تفسيره الكبير « جامع البيان في تفسير آي القرآن ». فالطبري وإن اعتمد على التفسير بالمأثور بدقّة متناهية ، فلا تكاد تجد رأياً في تفسيره إلا قد أسند برواية
__________________
(١) حققه الدكتور سيد أحمد صقر تحقيقاً فريداً ، مطبعة عيسى الحلبي ، القاهرة.