وكانت مدرسة المدينة المنورة ، قد إمتازت بالتجرد والموضوعية ، والكشف عن مراد الله من كتابه ، فيما أثر عنها من روايات محددة ، وكان قوامها ثلاثة من أئمة أهل البيت هم : الامام علي بن الحسين زين العابدين ( ت : ٩٥ ه ) والامام محمد الباقر ( ت : ١١٤ ه ) والامام جعفر الصادق ( ت : ١٤٨ ه ) كما اعتمدت طائفة من تلامذة أبي بن كعب ( ت : ١٠٥ ه ) وأصحاب زيد بن أسلم ( ت : ١٣٦ ه ).
وكانت مدرسة الكوفة غنية بعطائها الثّر في إتجاه تدريسي يمثله ابن مسعود ( ت : ٣٢ ه ) وجملة من تلامذته ، وفي طليعتهم مسروق بن الأجدع ( ت : ٦٣ ه ) والأسود بن يزيد ( ت : ٧٥ ه ) والربيع بن خثيم ، وعامر الشعبي ( ت : ١٠٥ ه ) وأمثالهم.
وقد برز في الكوفة إتجاه نصّي يمثله تلامذة الامامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهماالسلام نشأت عنه طبقتان تقيدت بنقل النصوص رواية وكتابة ، وكان في طليعة الرواة : زرارة بن أعين الكوفي ، وفي طليعة المؤلفين فرات بن إبراهيم الكوفي.
ولا ينسى دور مدرسة البصرة فيما أثر عن أبي عمرو بن العلاء ( ت : ١٤٥ ه ) وعيسى بن عمر الثقفي ( ت : ١٤٩ ه ) وقبلهما الحسن البصري ( ت : ١١٤ ه ) فيما أُصّلَ عنده من جهود تفسيرية منتشرة في أمهات التفاسير.
كانت هذه المدارس بما أبقت لنا من تراث تفسيري ضخم يعتمد الرواية حيناً ، والاستنباط العقلي حيناً آخر سبيلاً إلى نشوء حركة التفسير التسلسلي المنظم عند العرب والمسلمين فبدأ ذلك متكاملاً في محتوياته عند أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت : ٣١٠ ه ) في تفسيره الشهير ( جامع البيان ) واستمر العطاء الجزل إلى اليوم حافلاً بتفسير القرآن بالقرآن ، والتفسير البياني ، والتفسير التشريعي ، والتفسير المعجمي ، والتفسير الموضوعي ، وكان البعد الاحتجاجي متوافراً في التفسير الكلامي والوعي الفلسفي ، والأثر العرفاني ، والمنهج الاشاري ، وكان المناخ العقلي يتقلب بين شؤون الجدل المنطقي ، وسمات الروح الصوفي ، فصقلت الحياة