تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الاعاجم ، فأردت أن أضع شيئاً يرجعون إليه ، ويعتمدون عليه ، وإذا الرقعة فيها :
الكلام كله : اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمىٰ ، والفعل ما أنبئ به ، والحرف ما أفاد معنى. وقال لي : أنحُ هذا النحو ، وأضف إليه ما وقع إليك » (١).
ومهما يكن من أمر فإن الاستاذ أحمد أمين يميل إلى أن شكل المصحف في نقطه وإعجامه خطوة أولية في سبيل النحو تتمشى مع قانون النشوء ، يمكن أن تأتي من أبي الأسود (٢).
والحقيقة أن اللحن في قراءة القرآن ـ بعد أن اتسعت رقعة الاسلام ـ كان سبباً مباشراً في تأسيس النحو العربي ، حتى روي لنا لحن الحجاج والحسن البصري (٣).
وكانت البداية التأسيسية ـ بالاضافة إلى ما سبق ـ على يد البصريين حينما ألف عبد الله بن أبي إسحاق ( ت : ١١٧ ه ) كتاباً في الهمز (٤).
وتبعه عيسى بن عمر الثقفي ( ت : ١٤٩ ه ) فألف كتابين هما : الأكمال والجامع (٥).
حتى إذا نبغ الخليل ( ت : ١٧٥ ه ) وأخذ بزمام الدرس النحوي ، قامت مدرسة البصرة في النحو على يديه ، ونشأ مترعرعاً في ظلال توجيهه تلميذه سيبويه ( ت : ١٨٠ ه ) فأتسمت ملامح المدرسة بمناهجه ، وتأصلت مسائلها بفضله ، فكان « الكتاب » أول أصل مدرسي جمع مادة النحو العربي ، وكان منهجه متأثراً بالقرآن الكريم جزئياً في توجيه الاعراب حيناً ، وتيسير القواعد حيناً آخر ، لأن القياس هو الأولى عند البصريين ، وإن كان
__________________
(١) ابن الانباري ، نزهة الالبا : ٤ ـ ٧.
(٢) أحمد أمين ، ضحى الاسلام : ٢ / ٢٨٦.
(٣) ظ : الجاحظ ، البيان والتبيين : ٢ / ٢١٩.
(٤) ظ : السيوطي ، المزهر : ٢ / ٣٩٨.
(٥) ظ : ابن النديم ، الفهرست : ٦٨.