واحد ، واعتبار واحد : إنه قانون السماء الذي لا يصح التحكم في ثوابته المطلقة حساً وعقلاً وتجربة وشرعاً وعرفاً ، ذلك أن قانون السماء مصدر غيبي عتيد لا يخضع للعلم التجريبي ، ولا يقوم على أسس الدساتير الفيزياوية والرياضية ، ولا يكون نتيجة للفرز المختبري ، ولا يصح حيثية للاختيار البشري ، كما هو القانون الوضعي من جهة ، والكشف العلمي من جهة أخرى ، لأن الأنظمة السماوية لها منظورها الخاص الصادر من وراء الغيب ، وطبيعتها الملكوتية النازلة بتعليمات الوحي وإذا كان الامر كذلك ، وهو كذلك فليس لنا أن نقول : لم ؟ وكيف ؟ ولو ؟ فهذه اعتبارات أرضية لا ترتبط بالبعد الالهي الذي قدّر فهدى.
وليس للانسان المحدود التعقل والتفكير والاستنتاج أن يتدخل في شؤون ذلك النظام الدقيق الذي تديرهُ القوة الغيبية المدبرة ، لأنه عاجز عن تدبير نفسه إلا باذن من الله مرتبط بالإشاءة ، فكيف به لهذا العالم الفسيح الهائل.
في هذا الضوء من الاستقرار يمكننا التحدث عن تحريم الخمر في القرآن الكريم ضمن نصوصه التي لا تقبل الردّ أو الاجتهاد لأنها نصوص مقدسة أملاها الوحي من كلام الله على رسوله الأمين. ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (١٩٥) ) (١).
ويتكفل البحث في معالجة هذا الموضوع إنطلاقاً من تلك النصوص بحسب أسبقيتها في النزول ـ مكّيها ومدنيّها ـ لنصل إلى رؤية معاصرة تتولى رعاية هذا الملحظ الجدير بالأهمية.
أولاً : الذي يبدو للبحث أن أول ما نزل في الموضوع : قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) (٢).
والفواحش في تصوّر أولي هي تلك المعاصي الكبيرة التي يبالغ في سَوءَتِها إلى درجة التشنيع ، والأثم هو الذنب الذي يورث المرء هواناً
__________________
(١) الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٥.
(٢) الأعراف : ٣٣.