يتمتعون به من اللهو واللعب والعربدة في الاجتماع عليهما.
إلا أن الله عز وجل عقب على ذلك بقوله تعالى فرقاناً بين الآمرين « وإثمهما أكبر من نفعهما » إذن : ما فيهما من الإثم أكبر مما فيهما من النفع ، وعبر تعالى بأكبر دون أكثر مع العلم أن الكبر يستعمل في قياس الاحجام ، كما أن الكثرة تستعمل في المعدودات ، فإن الملحظ غير هذا باعتبارهما وصفين يتعلقان بالقياس النظري أو التطبيقي « فهما وصفان إضافيان بمعنى أن الجسم أو الحجم يكون كبيراً بالنسبة إلى آخر أصغر منه ، وهو بعينه صغير بالنسبة إلى آخر أكبر منه ، ولولا المقايسة والاضافة لم يكن كبر ولا صغر ، كما لا يكون كثرة ولا قلة ، ويشبه أن يكون أول ما تنبه الناس لمعنى الكبر إنما تنبهوا له في الأحجام التي هي من الكميات المتصلة وهي جسمانية ، ثم إنتقلوا من الصور إلى المعاني ، فاطّردوا معنى الكبر والصّغر فيها » (١).
وهذا النفع المتصور ينحصر بالمضاربات المالية وما يترتب عليها في البيع والشراء ، وما يصاحب ذلك من العبث واللهو والاسراف في كل من الخمر والميسر ، وكل أولئك منافع على سبيل الحياة الدنيا فهي من المعاني الاعتبارية الزائلة ؛ ولكن الاثم بهما مما يوجب الغضب المطبق في الآخرة ، ويستنزل سخط الباري ، وهذا مما لا يقوم له شيء ، فالأثم إذن أكبر من النفع.
قال الطبرسي ( ت : ٥٤٨ ه ) وفي الآية تحريم الخمر من وجهتين : ( أحدهما ) قوله : ( وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ ) فإنه إذا زادت مضرة الشيء على منفعته إقتضى العقل الامتناع عنه.
( الثاني ) أنه بيّن أن فيهما الاثم ، وقد حرم في آية أخرى الأثم فقال : ( إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) (٢) إنتهىٰ كلام الطبرسي أعلىٰ الله مقامه (٣).
__________________
(١) محمد حسين الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن : ٢ / ١٩٦.
(٢) الأعراف : ٣٣.
(٣) الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ٣١٦.