__________________
الذين شكلوا نوعا من أنواع المليشيات الشعبية البلدية ، وكان محمد بن عصودا من بين زعماء أحداث دمشق الذين تصدوا لجعفر بن فلاح ، وعندما أخفق بالمقاومة غادر دمشق إلى الأحساء حيث استنجد بقرامطتها ، ومن حسن الحظ أن المقريزي حفظ لنا في كتاب المقفى تراجم لجعفر بن فلاح والحسن الأعصم زعيم القرامطة ، وترجمة الأعصم نشرتها في كتابي أخبار القرامطة ، أما ما جاء عن علاقة جعفر بن فلاح بالقرامطة فهاكم هو : (من مخطوطة مجلد برتو باشا في استانبول : ٣٠١ ـ ٣٠٢).
... وأما محمد بن عصودا فإنه لما انهزم ، سار إلى الأحساء ، هو وظالم بن موهوب العقيلي ، وحثا القرامطة على المسير إلى الشام ، فوافق ذلك منهم الغرض ، لأن الاخشيدية كانت تحمل في كل سنة إلى القرامطة مالا ، فلما أخذ جوهر مصر ، انقطع المال عن القرامطة فأخذوا في الجهاز للمسير إلى الشام.
وكثرت الأخبار بمسير القرامطة إلى الشام ، وأنهم نزلوا على الكوفة ، وكتبوا إلى الخليفة ببغداد ، فأنفذ إليهم خزانة سلاح ، وكتب لهم بأربعمائة ألف درهم على أبي تغلب عبد الله بن ناصر الدولة بن حمدان ، من مال الرحبة ، وأنهم ساروا من الكوفة إلى الرحبة وأخذوا من ابن حمدان المبلغ ، فكتب جعفر إلى غلامه فتوح وهو على أنطاكية يأمره بالرحيل فوافاه الكتاب مستهل شهر رمضان ، فشرع في شد أحماله ، ونظر الناس إليه فجفلوا ورموا خيمهم ، وأراقوا طعامهم ، وأخذوا في السير مجدين إلى دمشق ، فلما وافوا جعفر أراد أن يقاتل بهم القرامطة ، فلم يقفوا ، وطلب كل قوم موضعهم ، ولم يبالوا بالموكلين على الطرق.
وعندما نزل القرامطة على الرحبة أكرمهم أبو تغلب ، وبعث إلى الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي ، المعروف بالأعصم ، كبيرهم يقول له : هذا شيء أردت أن أسير فيه بنفسي لكني مقيم في هذا الموضع إلى أن يرد إلي خبرك ، فإن احتجت إلى سيري سرت إليك بنفسي ، ونادى في عسكره من أراد السير من الجند الاخشيدية وغيرهم إلى الشام مع الحسن بن أحمد فلا اعتراض لنا عليه ، وقد أذنا له في المسير والمعسكران واحد ، فخرج إلى القرامطة كثير من الاخشيدية الذين كانوا بمصر وفلسطين ، ممن فر من جوهر وجعفر بن فلاح ، وكان جعفر لما أخذ طبرية بعث إلى أبي تغلب ابن حمدان بداع يقال له أبو طالب التنوخي ، يقول له : إنا سائرون إليك فتقيم لنا الدعوة ، فلما قدم الداعي على أبي تغلب وهو بالموصل ، وأدى الرسالة ، قال له : هذا ما لا يتم لأننا في دهليز بغداد ، والعساكر منا قريبة ، ولكن إذا قربت عساكركم من هذه الديار ، أمكن ما ذكرته ، فانصرف بغير شيء.
ثم ان الحسن بن أحمد القرمطي ، سار عن الرحبة إلى أن قرب من دمشق ، فجمع جعفر خواصه واستشارهم ، فاتفقوا على أن يكون لقاء القرامطة في طرف البرية قبل أن يتمكنوا من العمارة ، فخرج إليهم ولقيهم ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فانهزم عنه عدة من أصحابه ، فولى في عدة ممن معه ، وركب القرامطة أقفيتهم ، وقد تكاثرت العربان من كل ناحية ، وصعد الغبار ، فلم يعرف كبير من صغير ، ووجد جعفر قتيلا لا يعرف له قاتل ، وكانت هذه الوقعة في يوم الخميس لست خلون من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة.
فامتلأت القرامطة بما احتووا من المال والسلاح وغيره ، وخرج محمد بن عصودا إلى جثة جعفر بن فلاح ، وهي مطروحة في الطريق ، فأخذ رأسه وصلبه على حائط داره ، أراد بذلك أخذ ثأر أخيه اسحق بن عصودا ، وملك القرامطة دمشق ، وورد الخبر بذلك على جوهر القائد ، فاستعد لحرب القرامطة ...