كثرة المال فاستعظموه ، فضربوا دنانير من صفر وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس ، وجعلوا في رأس كل كيس منها يسيرا من دنانير الذهب الخلاص ، وحملوها إلى ثقة ابن جراح ، وقد كانوا توثقوا منه وعاهدوه على الوفاء ، وترك الغدر إذا وصل المال إليه ، فلما عرف وصول المال إليه عمل في فلّ عسكر القرمطي ، وتقدم إلى أكثر أصحابه أن يتبعوه إذا تواقف العسكران ، ونشبت الحرب.
فلما اشتد القتال ولّى ابن جراح منهزما وتبعه أصحابه ، فكان في جمع كثيف ، فلما نظر القرمطي قد انهزم عسكره بعد الاستظهار والقوة ، تحير في أمره ، ولزمه الثبات والمحاربة بعسكره وأجهد نفسه في القتال حتى يتخلص ، ولم يكن له بهم طاقة ، وكانوا قد أرهقوه بالحملات من كل جانب ، وقد قويت نفوس المغاربة بانفلال ابن جراح ، فخاف القرمطي على نفسه فانهزم فاتبعوا أثره وطلبوا معسكره ، فظفروا بمن فيه ، وأسروا منه تقدير ألف وخمسمائة رجل ، وانتهبوا سواده وما فيه ، وضربوا أعناق من أسروه ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ثم جردوا في طلب القرمطي القائد أبا محمود إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل ، فاتبعه وتثاقل في سيره خوفا من رجوعه عليه ، وتم القرمطي على حاله في انهزامه حتى نزل على أذرعات (١) ، وانفذ أبا المنجا في طائفة من الجند إلى دمشق ، وكان ابنه قبل ذلك واليا عليها (٢) ، ورحل القرمطي في البرية طالبا بلد الإحساء ، ونيته العود ، ورحل أبو محمود مقدم عسكر [٧ ظ] المغاربة (٣) عند معرفته ذلك ونزل باذرعات في منزل القرمطي.
__________________
(١) هي مدينة درعا الحالية في سورية.
(٢) هو كاتب الحسن الأعصم ، وقع بالأسر وحمل إلى القاهرة حيث أطلق المعز سراحه بعد ما توصل إلى شراء السلم مع القرمطي بكمية من الذهب وأتاوة سنوية.
أنظر أخبار القرامطة : ١٩٠ ـ ١٩١.
(٣) أي عساكر الخلافة الفاطمية حيث كان جلهم من بربر الشمال الأفريقي.