الضياع والجهات ، وطرحت النار في الأماكن والحارات ، وثارت الفتنة واشتدت النار ، وعظم الخوف وفني العدد الكثير من الفريقين ، ولم تزل الحرب متصلة مدة صفر وربيع الأول ، وبعض ربيع الآخر ، وتقررت المصالحة والموادعة (١) إلى أن ولي جيش بن الصمصامة البلد من قبل خاله القائد أبي محمود المقدم ذكره في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وصرف القائد ظالم ابن موهوب العقيلي عن ولايته.
شرح الحال في ذلك
لما استقر الصلح والموادعة بين أهل دمشق والقائد أبي محمود مقدم العسكر المصري المعزي على ما تقدم شرحه ، وخمدت نار الفتنة بعض الخمود ، وركدت ريحها بعض (١١ و) الركود وسكنت نفوس أهل البلد واطمأنت القلوب بين الفريقين اعتمد القائد أبو محمود على ابن أخته جيش بن الصمصامة في ولاية دمشق وحمايتها ولمّ ما تشعث منها بالفتنة المتصلة ، لما رجاه عنده من الكفاية والصرامة ، وقدره فيه من النهضة والشهامة ، فدخلها واليا ونزل بقصر الثقفيين (٢) في الدار المعروفة بالروذباري ، وأقام بها أياما.
فلما كان يوم من الأيام عبرت طائفة من عسكر المغاربة بالفراديس فعاثت فيه ، فثار الناس عليها وقتلوا من لحقوه منهم ، وصاروا إلى قصر الثقفيين ، فهرب منهم جيش بن الصمصامة الوالي في أصحابه فانتهبوا ما كان لهم فيه ، وأصبح القائد منحدرا من العسكر في جمع كثير ، وقصد
__________________
(١) كانت المصالحة سنة أربع وستين وثلاثمائة ، وذكر ثابت بن سنان : «ثم استقر الرأي بين الدمشقيين والقائد أبي محمود على اخراج ظالم من البلد ويخلفه جيش بن الصمصامة ، وهو ابن أخت أبي محمود» وكان «قدم إلى القاهرة فيمن قدم إليها مع المعز ، وخرج مع خاله أبي محمود ابراهيم جعفر بن فلاح إلى الشام». أنظر أخبار القرامطة : ٦٤ ـ ٦٥. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٣٤٥.
(٢) على الأرجح أن قصر الثقفيين كان محلة من محال دمشق ، حيث موقع القلعة اليوم مع جزء من العصرونية. انظر ابن عساكر : ٢ / ٧٦. قصور الحكام في دمشق مقال لعبد القادر ريحاوي نشر في مجلة الحوليات الأثرية م ٢٢ ـ ٢٣ ص : ٤٢ ـ ٤٣.