جهة من البلد ، وكبس موضعا كان قد سلم ووجد فيه أربعة من أهله فأخذ رؤوسهم وطرح النار فيه فاحترق ، وقال القائد أبو محمود : إن أهل الشره في موضع يقال له سقيفة جناح قريب من باب كيسان قبلي البلد ، فقصدهم من ناحية الباب (١) الصغير والمقابر ، فوقع «النفير» فقاتلتهم الأحداث والرعية أشد قتال ، وقد غلظ الأمر عليهم في أخذ رؤوس من يظفرون به ، ونشبت الفتنة والشر بينهم منذ أول جمادى أولى ، ونشبت الحرب بينهم بياض ذلك اليوم إلى أن أقبل الليل ، فاضطرب البلد واشتد خوف أهله ووجلهم ، وخربت المنازل ، وضعفت النفوس ، وانقطعت المواد ، واستدت بالخوف المسالك والطرقات ، وبطل البيع والشراء ، وقطع الماء عن البلد ، وعدم الناس القني والحمامات ، ومات ضعفاء الناس على الطرقات ، وهلك الخلق الكثير من الجوع والبرد في أكثر الجهات ، وانتهت الحال في ذلك إلى أن تجددت ولاية القائد ريان الخادم عقيب هذه الفتنة في بقية سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
شرح الأمر في ذلك
قد كانت الأخبار تنتهي إلى المعز لدين الله بما يجري على أهل دمشق من الحروب ، وإحراق المنازل ، والنهب والقتل والسلب ، وإخافة المسالك ، وقطع الطرقات ، وأن القائد أبا محمود المقدم على الجيش المصري لا يتمكن من كف أهل الفساد والمنع (١١ ظ) لمن يقصد الشر من أهل العيث والعناد ، ولذلك فقد خربت الأعمال ، واختلت الجهات ، وترادفت الأنباء بذلك إليه وتواترت الأخبار بجلية الحال عليه ، فأنكر استمرار مثل ذلك ، وأكبره واستبشعه ، وكتب إلى القائد ريان الخادم والي طرابلس يأمره المسير إلى دمشق ، لمشاهدة حالها ، وكشف أمور أهلها ، والمطالعة بحقيقة الأمر فيها ، وأن يصرف القائد أبا محمود عنها ، فامتثل القائد ريان الأمر في ذلك ، وسار من طرابلس ، ووصل إلى دمشق ،
__________________
(١) في الأصل : الخامس ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.