بقي بين خطتي خسف إن منعه من سكنى القلعة حصلت المباينة الكلية وإن سكنه قويت أسبابه بها ولا يعود يتمكن من إخراجه ، ويترتب على ذلك استقلال الأمير فارس الدين بالملك ، فعمل على معاجلته فدخل إليه على عادته ، وقد رتب له الملك المعز جماعة للفتك به منهم : الأمير سيف الدين قطز المعزي ، وغيره من مماليكه المعزية ، فقتلوه في دار السلطنة بقلعة الجبل في سنة اثنتين وخمسين ، ثم خلع بعد قتله الملك الأشرف من السلطنة وأنزله من قلعة الجبل إلى عماته القطبيات ، وركب الملك المعز بالسناجق السلطانية ، وحملت الأمراء الغاشية بين يديه ، واستقل بالملك بمفرده استقلالا تاما ، ثم إن العزيزية عزموا على قبضه في سنة ثلاث وخمسين فشعر بذلك فقبض على بعضهم ، وهرب بعضهم ، ثم تقرر الصلح بينه وبين الملك الناصر على أن يكون الشام جميعه للملك الناصر يوسف ، وديار مصر للملك المعز وحد ما بينهما بئر القاضي ، وهو فيما بين الورادة والعريش ، وذلك بسفارة الشيخ نجم الدين الباذرائي ، وتزوج الملك المعز بشجر الدر في سنة ثلاث وخمسين ، فكان ذاك سببا لقتله ، وقد ذكرنا كيفية قتله ، وماجرى عند ذلك وسلطنة ولده الملك المنصور نور الدين ، فأغنى عن إعادته ، وكان الملك المعز كثير الكرم والبذل ، لا يمنع طالب حاجة إلا في النادر ، وأطلق في مدة سلطنته من الأموال والخيول وغير ذلك ما لا يحصى كثرة ، وكان عفيفا طاهر الذيل لا يشرب مسكرا ، ولا يرى العسف والجور ، كثير المداراة لخشدا شيته والاحتمال لتجنبهم وشراسة أخلاقهم ، وخلف عدة أولاد منهم الملك المنصور نور الدين علي ، وناصر الدين قاآن ورأيت له ولدا آخر بالديار المصرية سنة تسع وثمانين ، وهو في زي الفقراء الحريرية ، وكان للملك المعز رحمهالله عدة مماليك أمراء نجباء منهم : الملك المظفر سيف الدين قطز رحمهالله ، وسنذكره إن شاء الله تعالى وغيره ، ومعظمهم كرماء على سجيته ، وكان قتل الملك المعز بقلعة الجبل عشية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول رحمهالله ، وقيل