خطوب يطول شرحها ، وكان الملك الناصر حج في السنة الخالية ، وعاد إلى العراق بسببها فأنزل بالحلة ، وأجرى عليه راتب لا يليق به ، ولا يناسب محله ، وكان الخليفة قد عمر ببغداد قصرا فلما تم هنته الشعراء ، وهناه الملك الناصر بقصيدة تلطف فيها ، وعدد خدمه وخدم أسلافه فلم يجد ما يكافيه أن سير إليه من حاسبه على جميع ما وصل إليه طول المدة من النفقات ، وما أوصلوه إليه مفرقا ، وما ضيفوه به في تردده وإقامته وظعنه من خبز ولحم وعليق ، وقالوا : قد وصل إليك قيمة وديعتك ، فاكتب خطك بوصوله وأنه لم يبق لك عند الديوان حق ولا مطالبة ، فلم يمكنه إلا الإجابة والمسارعة ، فكتب ولم يصله من ثمنها إلا دون العشر ، فانصرف ساخطا ، واجتمع عليه جماعة من العرب وأرادوا التوصل به إلى النهب والفساد ، فامتنع وأقام عند العرب وبلغ الملك الناصر صلاح الدين يوسف ، فأهمه مقامه عندهم فأحضر الملك الظاهر شاذي أكبر أولاد الملك الناصر داود ، وحلف له اليمين المغلظة أنه لا يتعرض له بأذى ، فوصل شاذي إلى والده ، وعرفه ذلك ، فقدم دمشق ووجد الملك الناصر يوسف قد أوغر صدره عليه ، فنزل بتربة والده الملك المعظم بسفح قاسيون ، وشرط عليه أن لا يركب فرسا ، ثم أذن له في الركوب بشرط أنه لا يدخل البلد ، ولا يركب في موكب فاستمر الحال على ذلك إلى آخر السنة.
فصل
وفيها توفي إبراهيم بن أنبا بن عبد الله الصوابي ، الأمير مجاهد الدين والي دمشق ، وليها بعد الأمير حسام الدين بن أبي علي في سنة أربع وأربعين وستمائة ، وكان في بداية سعادته أمير جاندار الملك الصالح نجم الدين ، وكان أميرا جليلا فاضلا عاقلا رئيسا ، كثير الصمت ، مقتصدا في إنفاقه ، وكان بينه وبين الأمير حسام الدين بن أبي علي مصافاة كثيرة ، ومودة أكيدة ، ولما مرض مرض موته أسند نظر الخانقاه التي عمرها على