بالله والاستجارة به ، فحصل النجب والروايا ، وما يحتاج إليه لسفر البرية ، ثم توجه وصحبته فخر القضاة نصر الله بن بصاقة ، والشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسرو شاهي والخواص من مماليكه وألزامه ، فلما قرب من بغداد أمر الخليفة بتلقيه وإكرامه ، ودخل بغداد ، ونزل بها مكرما معظما ، وقدم للخليفة ما كان استصحبه معه من الجواهر النفيسة والتحف ، والهدايا الجليلة ، وأمر الخليفة له بالإقامات الكثيرة ، ولأصحابه بالعطايا والخلع ، وكان آثر أن يأذن له الخليفة بالحضور بين يديه فيقبل يده ، ومشاهدة وجهه كما فعل بمظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي كوجك صاحب إربل ، فإنه كان قدم بغداد فطلب الاجتماع بالخليفة فأذن له في ذلك ، فحضر وبرز له الخليفة ، فشاهده فرغب الملك الناصر أن يعامل بتلك المعاملة فإنه أكبر بيتا من مظفر الدين ، وأعرق منه في الملك ، وسأل ذلك فلم تقع الإجابة رعاية لخاطر الملك الكامل ، فعمل الملك الناصر قصيدة يعرض فيها بمطلوبه ...
فلما وقف الخليفة المستنصر بالله على هذه القصيدة أعجبته إعجابا كثيرا ، وقصد الجمع بين المصلحتين ، فاستدعاه سرا إجابة لسؤاله ورعاية في عدم الجهر للملك الكامل ، فحكى الملك الناصر قال : واستدعاني الخليفة بعد شطر من الليل ، فدخلت من باب السر إلى إيوان فيه ستر مضروب ، والخليفة من ورائه ، فقبلت الأرض بين يديه فأمرني بالجلوس فجلست ، ثم أخذ الخليفة يحدثني من خلف الستر ، ويؤنسني ، ثم أمر الخدم فرفعوا الستر ، فقبلت الأرض ثانيا ، وتقدمت فقبلت يده ، فأمرني بالجلوس ، فجلست بين يديه وجاراني في أنواع من العلوم وأساليب من الشعر ، ثم خرجت من عنده وعدت إلى منزلي ليلا ، ثم حضر الملك الناصر بعد ذلك بالمدرسة المستنصرية على شاطىء دجلة ، وكان الخليفة في روشن ينظر ويسمع الكلام ، وحضر جماعة من الفقهاء المرتبين بالمدرسة ، وغيرهم من المذاهب الأربعة ، وبحث الملك الناصر واستدل واعترض ،