وناظر الفقهاء مناظرة حسنة ، وكان جيد المناظرة صحيح الذهن ، له في كل فن مشاركة جيدة ، فقام يومئذ رجل من الفقهاء يقال له وجيه الدين القيرواني ومدح الخليفة بقصيدة يقول فيها مخاطبا للخليفة :
لو كنت في يوم السقيفة حاضرا |
|
كنت المقدم والإمام الأورعا |
فغضب الملك الناصر لله تعالى لكون ذلك الفقيه لأجل سحت الدنيا أساء الأدب على أبي بكر الصديق ، رضوان الله عليه ، والخلفاء الراشدين ، وسادات المهاجرين ، والأنصار رضياللهعنهم الحاضرين يوم السقيفة ، وجعل المستنصر بالله مقدما عليهم ، فقال لذلك الفقيه : أخطأت فيما قلت كان ذلك اليوم جد سيدنا ومولانا الإمام المستنصر بالله العباس بن عبد المطلب رضياللهعنه عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاضرا ، فلم يكن مقدما ولا الإمام الأروع إلا أبي بكر الصديق رضياللهعنه ، فخرج المرسوم في ذلك الوقت بنفي ذلك الفقيه فنفي ، ثم وصل إلى القاهرة وولي بها تدريس مدرسة الصاحب صفي الدين بن شكر ، ثم إن المستنصر بالله خلع على الملك الناصر خلعة سنية عمامة سوداء وفرجية سوداء مذهبة ، وخلع على أصحابه ومماليكه خلعا سنية ، وأعطاه مالا جليلا ، وبعث في خدمته رسولا من أكبر خواصه إلى الملك الكامل يشفع إليه في إخلاص نيته له وإبقاء بلاده عليه ، فوصل الملك الناصر والرسول إلى دمشق وبها الملك الكامل ، فخرج لتلقيهما إلى القصير ، وأقبل على الملك الناصر إقبالا كثيرا ، وقبل شفاعة الخليفة ، وألبسه الخلعة هناك ، وكان قدم من بغداد ، ومعه أعلام سود ، وكان الخليفة لقبه الولي المهاجر مضافا إلى لقبه ، فأمر خطباء بلاده أن يذكروا في الدعاء له ذلك ، ثم خلع على الرسول وأعطاه شيئا كثيرا ، ورجع إلى بغداد ، وأقام الملك الناصر مطمئنا لانتسابه إلى الخليفة ، فلما حصلت المباينة بين الملك الكامل والملك الأشرف وعزما على المحاربة ، وانضم إلى الملك الأشرف جميع ملوك الشام ، سير إلى الملك الناصر داود يدعوه