والأعيان أرباب الحل والعقد اجتمعوا بالقلعة ، وذكروا الملك الناصر ، والملك الجواد يونس بن داود بن الملك العادل ، فرجح عماد الدين بن شيخ الشيوخ الملك الجواد يونس بن داود ابن الملك العادل ، وكان منحرفا عن الملك الناصر لأنه كان يجري بينه وبينه في مجلس الملك الكامل مباحثات ، فيخطئه الملك الناصر فيها ، ويستجهله ، فبقي في قلبه من ذلك أثر كثير ، كان أقوى الأسباب في صرف السلطنة عنه ، وأما الأمير فخر الدين بن الشيخ فلم يكن له في ذلك رأي ، وكان ميله إلى الملك الناصر أكثر من الجواد ، وأرسلوا إلى الملك الناصر الهيجاوي ليخرجه من دمشق ، فدخل عليه بدار سامة وقال له : ايش قعودك في بلد القوم ، فقام وركب وجميع من في دمشق من باب دار سامة إلى القلعة ، وما شك أحد أن الملك الناصر طالع إلى القلعة ، وساق فلما تعدى مدرسة العماد الكاتب ، وخرج من باب الزقاق عرج إلى باب الفرج صاحت العامة : لا ، لا ، لا وانقلبت دمشق ، ونزل الملك الناصر بالقابون وفتح الجواد خزائن الكامل ، وفرق المال والخلع ، واستقر قدمه وأقام الملك الناصر أياما بالقابون ، فعزم الجواد على مسكه ، وسير الأمير عز الدين أيبك الأشرفي ليمسكه ، وكان قد علم الأمير عماد بن موسك بذلك فبعث إليه في السر من عرفه ، فسار في الليل إلى عجلون ، فوصل عز الدين أيبك إلى قصر أم حكيم ، وعاد إلى دمشق ، وأما الملك الناصر فإنه سار إلى الكرك ، وجمع وحشد ، ونزل إلى السواحل ، فاستولى عليها ، وخيم بعزمه طالبا للاستيلاء على مملكة والده ، فرحل الجواد فيمن بقي من العساكر المصرية مقدمهم عماد الدين بن شيخ الشيوخ ، وفي عساكر دمشق والمماليك الأشرفية ، وتوجه نحو الملك الناصر ، فرحل الملك الناصر إليه ليلقاه ، فوقع المصاف على ظهر حمار بين نابلس وجينين ، فانكسر الملك الناصر كسرة قبيحة ، ومضى منهزما ، واحتوى الجواد على خزائنه وأثقاله على سبع مائة جمل ، فأخذت بأحمالها ، وأخذوا فيها من الأموال والجواهر والجنائب ما لا يحصى ، واستغنوا غنى الأبد ، وافتقر