وإن الإسلام بدأ غريبا وسيرجع كما بدا ، وتقاصرت الهمم عن إسعاده حتى لا يرى له مسعدا ، فإنا لله قول من عز عزاؤه في الإسلام وذويه ، وبذل في الدفاع عنه ما تملكه يده وتحويه ، وصبر في الله على احتمال الأذى وعدم دونه محاميه ، والله سبحانه وتعالى يتلافى الإسلام بتلافيه ، ويحميه بحمايته ، وحسن نظره فيه ، إنه قريب مجيب ...
ثم إن الملك الناصر أخرج الملك الصالح نجم الدين ، وتوجه معه إلى الديار المصرية فملكها ، وكان حصل الاتفاق بينهما قبل ذلك على أمور اشترطها الملك الناصر ، وحلف عليها الملك الصالح وهو عنده معتقل بالكرك ، وكانت مشقة يتعذر الوفاء بها لكثرتها من الأموال والبلاد ، فلما ملك الملك الصالح الديار المصرية حصل التسويف والمغالطة فيما حصل الاتفاق عليه ، فحصلت الوحشة وتأكدت ، وعاد الملك الناصر إلى بلاده على غضب ، وشرع النفور يتزايد من الجهتين ، وتمادى الأمر على ذلك إلى أن حصلت المباينة الكلية ، فقصدت عساكر الملك الصالح جمع ما وصلت إليه أيديهم من بلاد الملك الناصر ، فاستولوا عليه ثم توفي الأمير سيف الدين قليج سنة أربع وأربعين وهو من أعيان الأمراء الأكابر ، وكان الملك الناصر أقطعه قلعة عجلون وعملها ، فتسلمها عمه الملك الصالح عماد الدين ، واستنزل أولاده من قلعتها ، وكان قد سير الأمير فخر الدين بن الشيخ لقصد الملك الناصر داود فقصده وأخذ منه القدس ، ونابلس ، وبيت جبريل ، والصلت ، والبلقاء ، وخرب ما حول الكرك ، والملك الناصر بها في حكم المحصور ، ثم نازلها الأمير فخر الدين وحاصرها أياما ، ثم رحل عنها وقل ما عند الملك الناصر من المال والذخائر ، واشتد عليه الأمر فنظم معاتبا الملك الناصر نجم الدين ابن عمه ...
... وفي سنة ست وأربعين ورد الشيخ شمس الدين الخسرو شاهي على الملك الصالح ، وهو بدمشق رسولا من الملك الناصر داود ، ومعه