وأن يكون له حبس في دمشق يحبس فيه نوابه من لهم عليه حق ، فأجيب إلى ذلك جميعه بعد توقف ، وبقي على ذلك سائر الأيام : الأشرفية ، والكاملية ، والصالحية ، والعمادية ، وإلى أوائل الدولة الصالحية النجمية ، فحصل له وحشة من الملك الصالح نجم الدين ، وكان مع الخوارزمية لما كسروا على القصب في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة ، فمضى إلى صرخد وامتنع بها ، ثم أخذت منه صرخد في أواخر السنة المذكورة ، وأخذ إلى الديار المصرية فاعتقل بها بدار صواب ، فكان إبراهيم هذا قد مضى إلى الملك الصالح نجم الدين ووشى به ، وقال : أموال أبي قد بعث بها إلى الجبلين وأول ما نزل بها صرخد كانت ثمانين خرجا فأودعها عند الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي ، وبلغ الأمير عز الدين اجتماعة بالملك الصالح فمرض ووقع إلى الأرض ، وقال : هذا آخر عهدي بالدنيا ، ولم يتكلم بعدها حتى مات ، ودفن ظاهر القاهرة بباب النصر سنة خمس وأربعين وستمائة ، وقيل سنة سبع وأربعين ، ثم نقل بعد ذلك إلى القبة التي بناها برسم دفنه في المدرسة التي أنشأها على شرف الميدان ظاهر دمشق من جهة الشمال ، ووقفها على أصحاب أبي حنيفة رحمة الله عليه ، وهي من أحسن المدارس وأنضرها ، وله مدرسة أخرى بالكشك داخل مدينة دمشق.
وبالجملة فكان من سادات الأمراء ، كثير البر والمعروف ، وإنعامه يشمل الأمراء والأكابر والفقراء والصلحاء ، والعوام رحمهالله ورضي عنه ، فلقد كان من محاسن الدهر ، ثم إن ولده هذا سعى بحاشيته مثل البرهان كاتبه ، وابن الموصلي صاحب ديوانه ، والبدر الخادم ومسرور وغيره فأمر الملك الصالح نجم الدين بحملهم إلى مصر ، فأما البرهان فإنه من خوفه يوم أخرج ليتوجه إلى مصر مات بمسجد النارنج ، والباقون حملوا إلى مصر ولم يظهر عليهم مما قيل درهم واحد ، فرجعوا إلى دمشق بعد وفاة الملك الصالح ، وقد لاقوا شدائد وأهوالا وختم للأمير عز الدين بالشهادة رحمهالله تعالى.