رحلتي إليها فقلت :
ومذ سمعت بهذا اللّغز أذني |
|
أتاني من تفضّله الجواب |
فذا طيب إذا صحّفت منه |
|
أخيريه له في الخبث باب. |
المراد من (أخيريه) الدال المهملة (١) تصحّف بالمعجمة ، والياء المثناة تصحّف بالباء الموحّدة فيكون منه (كاذب). ولا شكّ أنّ له في الخبث بابا.
وعلى ذلك فمن نوادر الأكاذيب مما يتعلّل به ويجري مجرى الفكاهة ببعض الهزل ، وإحجام النفس عن الجدّ ، كما قيل (٢) :
أفد طبعك المكدود بالجدّ راحة |
|
يجمّ وعلّله بشيء من المزح |
ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن |
|
بمقدار ما تعطي الطّعام من الملح (٣) |
ما حدّث الصاحب بن عباد عن الوزير أبي محمد المهلبي : أنّ بعض الأحداث من بغداد من أولاد أرباب النعم فارق أباه مستوحشا ، وخرج إلى البصرة ، وكان في الفتى أدب وظرف. فدخلها وقد انقطع به الحال ، وتحيّر في أمره ، فسأل عمّن يستعان به من أهلها من الفضلاء ، فوصف له نديم لأمير كان بها في ذلك الوقت من المهالبة ، فقصده وعرض عليه نفسه ، وعرّفه أمره. فقال : أنت من أصلح الناس لمنادمة هذا الأمير ، وهو من أحوج الناس إليك إن صبرت منه على خلّة ، فقال : وما هي؟ قال : هو رجل مشغوف بالكذب لا يصبر عنه ولا يفيق منه ، ولا بدّ لك من تصديقه في كلّ شيء يقوله ، وكلّ كذب يختلقه لتحظى بذلك عنده ، وإن لم تفعل ذلك لم آمنه عليك ، فقال الفتى : أنا أفعل ذلك ، واحتذي رسمك فيه ولا أتجاوزه.
فوصفه هذا النديم لصاحبه ، فقال : لا يكون يغداديّا يسيء الأدب ،
__________________
السيوطي من (ك) وألحق البيت الثاني ببيتي بدر الدين الدماميني في اللغز.
(١) يريد الدال المهملة من كلمة (يداك).
(٢) البيتان في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٠ وزهر الآداب ١ / ١٦٥ لأبي الفتح البستي ، ووردا في نهاية الارب ٦ / ٩٧ بدون عزو.
(٣) في نهاية الارب (المزح) مكان (ذاك).