قيل لعمرو بن العاص : ما أشدّ ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال عمرو : أشدّ شيء (١) بلغ من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما رأيت ـ أنهم تذامروا (٢) عليه حين مرّ بهم ضحّى عند الكعبة ، فقالوا : يا محمّد أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا ذلكم» ، فأخذ أحدهم برأسه ، قال : وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ورائه ، يريد أن ينزعه منهم وهو يصيح : يا قوم (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)(٣) ، قال : تردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم ، ثنا عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسين ، نا جعفر بن عبد الله بن يعقوب ، ثنا محمّد بن هارون ، أنبأ أبو جعفر محمّد بن الحجّاج الحضرمي ، نا أسد بن موسى ، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، نا محمّد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه قال :
قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : ما أشد ما رأيت قريشا بلغت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : أمر والله إنّي بذاك العالم ، قال : قلت : وما هو؟ قال : اجتمعت يوما قريشا في الحجر وأنا معهم أسمع ما يقولون ، فقال بعضهم لبعض : ما رأينا مثل ما بلغ هذا الرجل منا قط ، ما أدخل رجل على قوم مثل ما أدخل علينا ، فرّق جماعتنا ، وشتّت أمرنا ، وعاب ديننا ، وسب آباءنا ، وسفّه أحلامنا ، فما يدري على ما ندعه ، فبينا هم على ذلك إذ أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أتى الركن ، ثم مرّ بهم طائفا فغمزوه ببعض الكلام فعرفتها والله في وجهه ، ثم تقدّم حتى مرّ بهم في الطواف الثالث ، فغمزوه بمثلها ، فقال : «يا معشر قريش لقد جئتم بالذبح» .... (٤) والله القوم حتى ما فيهم رجل إلّا كأنما على رأسه طير واقع حتى أن أشدهم فيه وصاة لسرفاه (٥) بأحسن ما يجد من القول ، حتى أنه ليقول له : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، قال : فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتفرّقوا حتى إذا
__________________
(١) بالأصل : شر ، والمثبت عن مختصر ابن منظور ١٣ / ٤٦.
(٢) كذا ، وفي مختصر ابن منظور : تآمروا.
(٣) سورة غافر ، الآية : ٢٨.
(٤) كلمة غير واضحة بالأصل.
(٥) كذا رسمها.