عرف بيته في القديم بقرطبة وطليطلة ببني وزير ، ثم حديثا بلوشة ببني الخطيب. وقد أطلق لقب «الخطيب» على جدّه الأعلى «سعيد» ؛ كونه كان خطيبا بلوشة ، فعرف به أبناؤه من بعده. وسعيد هذا هو أول من استوطن لوشة ، وكان من أهل العلم والصّلاح والدين والخير والفضل ، توفي عند تغلّب العدو على بلده عنوة.
انتقل جدّه الأقرب سعيد والد أبيه من لوشة إلى غرناطة عندما نافسه جيرته بنو الطنجالي الهاشميون ، وكان مستوليا على خلال حميدة من فقه وحساب وأدب وخط وتلاوة ، تزوج من إحدى قريبات زوجة السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن يوسف النّصري (٦٧١ ـ ٧٠١ ه) ، ما أحكم الصّلة بينه وبين القصر. وكانت وفاته في ربيع الآخر من عام ثلاثة وثمانين وستمائة.
ولد أبوه (١) عبد الله بغرناطة عام ٦٧٢ ه ، وكان من أهل العلم والأدب ، ومن أكابر علماء غرناطة. ترك غرناطة وانتقل إلى لوشة مخصوصا بلقب الوزارة. ولمّا تولّى السلطان أبو الوليد إسماعيل بن فرج النّصري (٧١٣ ـ ٧٢٥ ه) مقاليد الحكم ، عاد عبد الله إلى غرناطة ليخدم في القصر السّلطاني. ثم لازم السلطان أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج النصري (٧٢٥ ـ ٧٣٣ ه) ، ثم السلطان أبا الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج النصري (٧٣٣ ـ ٧٥٥ ه). خدم كمشرف على مخازن الطعام ، ثم في ديوان الإنشاء مع الوزير أبي الحسن ابن الجيّاب ، إلى أن توفي يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة ، مع ولده الأكبر في موقعة طريف.
نشأ لسان الدين بغرناطة ، وتأدّب على شيوخها ، وهم كثر ، فأخذ عنهم القرآن ، والفقه ، والتفسير ، واللغة ، والرواية ، والطب ، وصناعة التعديل. وقد ذكرهم تحت عنوان «المشيخة» في آخر كتاب «الإحاطة» (٢). وروى ابن خلدون أن لسان الدين تأدّب على مشيخة غرناطة وأخذ عن أشياخه دون أن يذكرهم ، واكتفى بالقول بأنه اختصّ بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل ، فأخذ عنه العلوم الفلسفية ، وبرّز في الطب ، ونبغ في الشعر والترسّل (٣). وأضاف أنه امتدح السلطان أبا الحجاج ، وملأ الدولة بمدائحه ، فرقّاه السلطان إلى خدمته ، وأثبته في ديوان الكتّاب ببابه مرءوسا بأبي
__________________
(١) ترجمة أبيه في كتابيه : ريحانة الكتاب (ج ٢ ص ٣٩٢ ـ ٣٩٣) والإحاطة (الجزء الثالث).
(٢) الإحاطة (ج ٤ ص ٣٨٧ وما بعدها). وانظر أيضا نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٥٨ وما بعدها).
(٣) كتاب العبر (م ٧ ص ٦٨٩).