كبيرة جبايتها كثيرة ، ومحاسنها أثيرة ، أمّ مدن البحيرة (٤٢) بأسرها ، وقطبها الذي عليه مدار أمرها، وضبطها بدال مهملة وميم مفتوحين ونون ساكنة وهاء مضمومة وواو وراء ، وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين (٤٣) من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الاسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الوقعة التي قصصناها ، وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطى خمسة وعشرين الف درهم ، وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار (٤٤) ، على ولاية القضاء بالاسكندرية. ثم رحلنا إلى مدينة فوّا (٤٥) وهذه المدينة عجيبة المنظر ، حسنة المخبر ، بها البساتين الكثيرة ، والفوائد الخطيرة الأثيرة ، وضبطها بالفاء والواو المفتوحين مع تشديد الواو ، وبها قبر الشيخ الولي أبي النجاة الشهير الاسم ، خبير تلك البلاد ، وزاوية الشيخ أبي عبد الله المرشدي الذي قصدته بمقربة من المدينة يفصل بينهما خليج هنالك ، فلما وصلت المدينة تعديتها ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور قبل صلاة العصر وسلّمت عليه ووجدت عنده الأمير سيف الدين يلملك(٤٦) وهو من كبار الأمراء الخاصّكية. (٤٧) وأول اسمه (يا) آخر الحروف ، ولامه الأولى مسكنة والثانية مفتوحة مثل الميم ، والعامة تقول فيه : الملك فيخطئون ، ونزل هذا الأمير بعسكره خارج الزاوية ، ولما دخلت على الشيخ رحمهالله قام إلى وعانقني ، وأحضر طعاما فواكلني ، وكانت عليه جبة صوف خضراء وعمامة صوف سوداء ، فلما حضرت صلاة العصر قدمني للصلاة إماما وكذلك لكل من حضرني
__________________
(٤٢) البحيرة : الإقليم الذي يكوّن الشمال الغربي لدلتا النيل والذي يقتبس اسمه من بحيرة ماريوط. (Le Lac MARRIOTTE)
(٤٣) نقل ابن مسكين لقضاء الاسكندرية في محرم ٧٣١ أكتوبر ١٣٣٠ بعد ثلاث سنوات.
(٤٤) الأضبط ٢٥٠. ١ ، لأن الصرف العادي يقتضي أن يساوي الدينار عشرين درهما ...
(٤٥) تحدث الأستاذ حسن عبد الوهاب عن آثار الوجه البحري وخصّ آثار فوّا بجزء كبير من المقال الذي نشرته مجلة المجمع العلمي المصري في المجلد ٣٨ ج ٢ ـ ١٩٥٦ ـ ١٩٥٧ ـ خالد محمد عزب : (فوّه مدينة المساجد) رقم الإيداع بدار الكتب ٩٢٧٠ ـ ١٩٨٩.
(٤٦) سيف الدّين هذا هو المعروف بآل ملك ، كان ممن سباه الظاهر بيبرس عند دخوله إلى بلاد الرّوم فوهبه للمنصور قلاون فوهبه المنصور لابنه ثم ترقى في الخدمة حتى أمّر ، ثم كان في أيام الناصر من أهل المشورة ، وكان يتردد بين المظفر والناصر وهو في الكرك فأعجبه عقله وأرسل إلى المصريين يقول لهم : لا يصل إلى رسول غيره ... ولي نيابة مصر فشدّد على من شرب الخمر! ثم أخرجه الكامل لنيابة دمشق ثم لحق به من توجه به إلى صفد ، ثم أمسك بغزة وجهز إلى الاسكندرية فاعتقل بها وأعدم أواخر عام ٧٤٦ ـ ١٣٤٦. ـ ابن حجر : الدررI ص ٤٣٩ ـ ٤٤٠.
(٤٧) كلمة الخاصكية مفردها خاصكي ، كلمة من أصل عربي مع تصغير فارسي ، وهي تعني بطانة السلطان فكان من أفرادها من يصل إلى مرتبة الأمراء ، على حسب درجاتهم المتنوعة. ـ د. عبد المنعم ماجد : نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر ، مكتبة الانجلو المصرية ١٩٦٧ ، ص ١٤.