الإسلام خيرا ، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها ، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفا أن يقصدها الروم فيمتنعون بها ، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم ، وجلب لها الماء في هذا العهد ، الأمير سيف الدين تنكيز (١٧) أمير دمشق.
ذكر المسجد المقدس
وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن ، يقال إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه وأن طوله من شرق إلى غرب سبعماية واثنتان وخمسون ذراعا بالذراع المالكية (١٨) وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعماية ذراع وخمس وثلاثون ذراعا ، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث ، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابا واحدا وهو الذي يدخل منه الامام ، والمسجد كله فضاء غير مسقف إلا المسجد الأقصى فهو مسقف ، (١٩) في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة ، مموّه بالذهب والاصبغة الرائقة ، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.
__________________
(١٧) يعتبر تنكيز من أبرز الشخصيات في المملكة ، يكنى أبا سعيد ... جلب إلى مصر وهو صغير ثم صار إلى الناصر ثم كان في صحبته يترسل بينه وبين الأفرم ... لم تكن له همة في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا منكح إلا في تأمين الرعايا ، وكان يقول : أي لذّة للحاكم إذا كانت رعاياه يدعون عليه؟! وكان الناصر لا يفعل شيئا إلا بعد مشورته ... وله عدة منشآت حضارية وهو الذي أجرى العين إلى بيت المقدس ، وكان من المولعين بالصيد بالصقور ... ولم تلبث الأيام أن تنكّرت له ، فقد أشيع عنه أنه عزم على الفرار إلى بلاد التتار (الإيلخان) فبلغ ذلك للسلطان الذي تغير عليه وأصدر أمرا بالقبض عليه وتعرض للإهانات والمصادرات ولم يدم في الاعتقال إلا دون الشهر ، وأدركه أجله أوائل ٧٤١ ـ يوليه ١٣٤٠. الدرر ٢ ، ٥٥ وما بعدها ...
(١٨) قبل ابن بطوطة وجدنا خسرو علوي الذي سجل مذكرات حجّه ٤٣٧ ـ ٤٤٤ ـ ١٠٥٢ في كتابه (سفرنامه) يقول : إن طول المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع بذراع الملك" قال : وهو أي ذراع الملك أقلّ قليلا من ذراع ونصف ، هذا وإذا كان ابن بطوطة غفل عن نقوش الأقصى ... فإن البلوي في رحلته (تاج المفرق) ، استطاع أن ينقل زهاء خمسة من المنقوشات التاريخية المفيدة ، وكذا السفير المغربي ابن عثمان في رحلته اجراز المعلى والرقيب ...) أنظر مخطوطة البلوي في الخزانة العامة.
ناصر خسرو علوى : سفرنامه ، ترجمة د. يحيى الخشاب (مشروع الألف كتاب الثاني ، ١٢٢ ـ الهيأة المصرية العامة للكتاب ١٩٩٣ ص ٦٩. رحلة ابن عثمان : إحراز المعلّى والرقيب مخطوطة.
(١٩) يتعلق الأمر بفناء كبير يسمى الحرم الشريف يحتوي على مسجدين : المسجد الأقصى ، وقبة الصخرة ، والأوّل يتألف من بلاد بيزنطي يعود تاريخه للقرن الأول الهجري ـ السابع الميلادي ، كما يتألف من مدخل قوطي بني سنة ٦٢٤ ـ ١٢٢٧ ، هذا ولا بد من الاطلاع على ما في (نزهة المشتاق) للادريسي الذي يقارن بين جامع قرطبة وبين المسجد الأقصى (ج ٤ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠) ، مطبوعات المعهد الشرقي ناپولي ، إيطاليا فليراجع ...