ذكر قبة الصخرة
وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلا قد توفر حظها من المحاسن وأخذت من كل بديعة بطرف ، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد يصعد إليها في درج رخام ، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضا محكم الصنعة ، وكذلك داخلها وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ، ورايق الصنعة ، ما يعجز الواصف ، وأكثر ذلك مغشى بالذهب فهي تتلألأ نورا وتلمع لمعان البرق ، يحار بصر متأملها في محاسنها ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها.
وفي وسط القبّة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم عرج منها إلى السماء ، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة (٢٠) ، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضا ، ينزل إليها على درج ، وهنالك شكل محراب وعلى الصخرة شباكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها : أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة (٢١) والثاني من خشب ، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك ، والناس يزعمون انها درقة حمزة بن عبد المطلب رضياللهعنه.
__________________
(٢٠) نرى من المهم أن نؤكد هنا على أن اهتمام المسلمين ببيت المقدس ، لا يقل اطلاقا عن اهتمامهم بمكة والمدينة د. التازي. طرق الايمان ـ بحث قدّم لاجتماع خبراء اليونيسكو حول الأديان السماوية ـ الرباط يونيه ١٩٩٥. هذا ويلاحظ أن القبة مثمنة الشكل تشبهها صومعة شفشاون ووزّان بالمغرب.
(٢١) يذكر الهروي الذي زار القدس سنة ٥٦٩ ـ ١١٧٤ أنه رأى الصخرة في زمان حكم الفرنج بالقدس وأنه قرأ كتابة في سقفها هذه صورتها : بسم الله الرحمن الرحيم الله الذي لا إلاه إلا الله هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الآية ... والكتابة بالفص المذهب ... ولم تغيّره الفرنج ... تحتها مغارة الأرواح ... ذكروا أن أرواح المؤمنين يجمعها الله بها. وينزل إلى هذه المغارة في أربعة عشرة درجة ... وقد ذكر خسرو الذي زار قبة الصخرة قبل الهروي بقرن وربع القرن أن الصخرة كانت قبلة لموسى وسليمان وظلت قبلة إلى عهد نبيّنا عليهالسلام وضع يده عليها ليلة المعراج ... ويذكر گيب (Gibb) أن الشباكين نصبا أيام احتلال الصليبيين للقدس في القرن السادس الهجري ... د. التازي : القدس والخليل عند الرحالة المغاربة بحث وزع في الدورة الثانية المنعقدة في عمان لأكاديمية المملكة المغربية دجنبر ١٩٩٦.