ويضلّ صرف الدهر منها خائفا |
|
وجلا ، فما يمسي لديها حاضرا! |
ويقال في مدينة حلب : حلب إبراهيم (٩٣) ، لأن الخليل صلوات الله على نبيّنا وعليه وسلامه ، كان يسكنها ، وكانت له الغنم الكثيرة فكان يسقي الفقراء ، والمساكين والوارد والصادر من ألبانها فكانوا يجتمعون ويسألون حلب إبراهيم فسميت بذلك. وهي من أعز البلاد التي لا نظير لها في حسن الوضع وإتقان الترتيب واتساع الأسواق وانتظام بعضها ببعض ، وأسواقها مسقفة بالخشب فأهلها دائما في ظلّ ممدود ، وقيساريتها (٩٤) لا تماثل حسنا وكبرا وهي تحيط بمسجدها ، وكلّ سماط منها محاذي لباب من أبواب المسجد ، ومسجدها الجامع من أجمل المساجد (٩٥) ، في صحنه بركة ماء ، ويطيف به بلاط عظيم الاتساع ، ومنبرها بديع العمل مرصع بالعاج والأبنوس.
وبقرب جامعها مدرسة مناسبة له في حسن الوضع واتقان الصنعة تنسب لأمراء حمدان ، وبالبلد سواها ثلاث مدارس ، وبها مارستان (٩٦).
__________________
(٩٣) رواية" حلب إبراهيم" ترددت أيضا حتى فيما كتبه بعض الصليبيين ، وينتقد ياقوت هذه المعلومة قائلا : وهذا فيه نظر لأنّ إبراهيم عليهالسلام وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا ، إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل عليهالسلام وقحطان ... فإن كان لهذه اللفظة أعني (حلب) أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأنّ كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارق إلا بعجمة يسيرة مثل كهنّم في جهنّم ...
(٩٤) قيسارية حلب ، هكذا رسمت بالسين في سائر النسخ التي بين أيدينا وهي تعني المركز التجاري ، وقد ترسم هكذا قيصرية بالصاد ... ويوحي اللفظ بأنه من أصل روماني ، وقد رأينا أن ابن الوزان (ليون الافريقي) يؤكد في كتابه" وصف إفريقيا" أن كلمة" القيصرية" آت من القيصر الذي يعني (CESAR) ... ولا نعرف كيف وفي أي مرحلة من التاريخ تسرب هذا اللفظ إلى دارجتنا. وقيسارية حلب ما تزال على سحرها ومفاتنها إلى اليوم على ما نرى! راجع حول هذه الكلمة : " القيصرية" : ابن الوزان في كتابه وصف إفريقيا ، ودائرة المعرف الإسلامية ، وانظر على الخصوص كتاب :
Bel : inscriptions Arabes de Fes Paris, ٩١٩١ P ٧٨٣.
(٩٥) تعرض هذا المسجد للإحراق من لدن بعض متطرفة الأرمن عام ٦٥٨ ـ ١٢٦٠ ، لكنه أعيد بناؤه أولا من قبل قرسنقر ثم من قبل الملك الناصر عام ١٣٢٦. وقد زرناه أكثر من مرة ...
(٩٦) تفترض بعض التعاليق أن المدرسة شيدت مكان كاتدرائية مسيحية ، تحولت في البدء إلى مسجد عام ٥١٨ ـ ١١٢٤ قبل أن تسمى مدرسة أيام نور الدين زنكي عام ٥٤٥ ـ ١١٥٠ ... نسبتها لبني حمدان خطأ ... لأن أول مدرسة أنشئت في حلب كانت بين سنة ٥١١ ـ ١١١٧ وسنة ٥١٨ ـ ١١٢٤ أي بعد نهاية الحمدانيين وقد زرنا صحبة المشاركين في ندوة ابن البيطار عام ١٩٩٣ ، هذا المارستان الذي يعتبر أعجوبة في تصميمه ... راجع التعليق ٨٩.