من المسلمين فالنصارى يضيفونه ، وطعامهم الخبز والجبن والزيتون والخل ، والكبر (١٤٧) ، وميناء هذه المدينة عليها سلسلة بين برجين لا يدخلها أحد ولا يخرج منها حتى تحطّ له السلسلة وهي من أحسن المراسي بالشام.
ثم سافرت إلى حصن المرقب (١٤٨) وهو من الحصون العظيمة يماثل حصن الكرك ومبناه على جبل شامخ ، وخارجه ربض ينزله الغرباء ولا يدخلون قلعته وافتتحه من أيدى الروم الملك المنصور قلاوون ، وعليه ولد ابنه الملك الناصر وكان قاضيه برهان الدين المصري من أفاضل القضاة وكرمائهم.
ثم سافرت إلى الجبل الأقرع (١٤٩) وهو أعلى جبل الشام ، وأول ما يظهر منها من البحر وسكانه التركمان ، وفيه العيون والهار.
وسافرت منه إلى جبل لبنان ، وهو من أخصب جبال الدنيا ، به أصناف الفواكه وعيون الماء والظلال والوافرة ، ولا يخلو من المنقطعين إلى الله تعالى والزهاد والصالحين ، وهو شهير بذلك. ورأيت به جماعة من الصالحين قد انقطعوا إلى الله تعالى ممن لم يشتهر اسمه.
حكاية الصالحين اللبنانيين وحمار الوحش
أخبرني بعض الصالحين الذين لقيتهم به قال : كنا بهذا الجبل مع جماعة من الفقراء أيام البرد الشديد ، فأوقدنا نارا عظيمة ، وأحدقنا بها. فقال بعض الحاضرين : يصلح لهذا النار ما يشوى فيها. فقال أحد الفقراء ممن تزدريه الأعين ولا يؤبه به : إني كنت عند صلاة
__________________
(١٤٧) الكبر (Le CAPRE) كلمة من أصل فارسي وربما كانت لها صلة باللّغة الإغريقية : حب لنبات يتشبث كالعلّيق على الأشجار والأحجار يحمل بالبربرية اسم تايلولت (TAILOULT) لا تستغنى عنه مائدة رفيعة في الشرق والغرب ، وهو من المقبّلات المخللة وقد خصص الطبيب المغربي أدراق أرجوزة كاملة لمنافعه الكثيرة :
أفضل شيء للتداوي يؤكل |
|
الكبر المملّح المخلّل |
منبّه لشهوة الغداء |
|
بعد سقوطها بلا امتراء |
والكبر الحائز كلّ فخر |
|
ما كان منه نابتا في الصخر |
(١٤٨) حصن المرقب بني عام ٤٥٣ ـ ١٠٦٢ ثم استولى عليه من قبل الصليبيين وحرفوا اسمه إلى مرغط ، ولكن على أن يسترجع فيما بعد من لدن السلطان قلاوون عام ٦٨٤ ـ ١٢٥٨ ، يقع في جنوب بانياس ، هذا ويلاحظ أن ابن بطوطة عند ما يستعمل كلمة الروم يقصد بها الاغريق والبيزنطيين ، وعند ما يستعمل كلمة الافرنج يقصد إلى المسيحيين اللاتينيين ... وسياتي الحديث مفصّلا في الفصل الرابع (٨٥٢ ,I) عن حصن الكرك الذي يقع حاليا في المملكة الاردنية الهاشمية.
(١٤٩) جبل الاقرع يقع شمال اللّاذقية ولذلك فإنه ليس على طريق جبل لبنان!