العصر بمتعبد إبراهيم بن أدهم ، فرأيت بمقربة منه حمار وحش قد أحدق الثلج به من كل جانب ، وأظنّه لا يقدر على الحراك ، فلو ذهبتم اليه لقدرتم عليه ، وشويتم لحمه على هذه النار.
قال : فقمنا اليه في خمسة رجال فلقيناه كما وصف لنا ، فقبضناه وأتينا به أصحابنا وذبحناه وشويناه في تلك النار ، وطلبنا الفقير الذي نبّه عليه ، فلم نجده ولا وقعنا له على أثر ، فطال عجبنا منه.
ثم وصلنا من جبل لبنان إلى مدينة بعلبك (١٥٠) ، وهي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام، تحدق بها البساتين الشريفة والجنات المنيفة ، وتحترق أرضها الأنهار الجارية ، وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية ، وبها من حبّ الملوك ما ليس في سواها ، وبها يصنع الدّبس (١٥١) المنسوب إليها ، وهو نوع من الرّب يصنعونه من العنب ، ولهم تربة يضعونها فيه فيجمد ، وتكسر القلة التي يكون بها فيبقى قطعة واحدة ، وتصنع منه الحلواء ويجعل فيها الفستق واللوز ، ويسمون حلواءه بالملبّن ويسمونها أيضا بجلد الفرس (١٥٢) ، وهي كثيرة الألبان وتجلب منها إلى دمشق ، وبينهما مسيرة يوم للمجدّ ، وأما الرفاق فيخرجون من بعلبك فيبيتون ببلدة صغيرة تعرف بالزّبداني (١٥٣) كثيرة الفواكه، ويغدون منها إلى دمشق ويصنع ببعلبك الثياب المنسوبة اليها من الإحرام (١٥٤) وغيره ويصنع بها أواني الخشب وملاعقه
__________________
(١٥٠) بعلبك أو (HELOPOLLIS) القديمة يقول عنها القلقشندي ٨٢١ ـ ١٤١٨ إنها مدينة مختصرة لدمشق تحتوي على كل جمالها ، واذا كان ابن بطوطة لم يتحدث عن معالم بعلبك التي تحدث عنها آخرون فإنه تحدث عن الثياب المنسوب إليها والصناعات الخشبية المتميّزة فيها ...
(١٥١) نوع مما يعرف في المغرب بالرّب (بضم الباء) : عصير خاثر من العنب ونحوه له نفس قوام العسل ... ومن أبواب مدينة مراكش باب الرب لأن الرب كان يباع بهذا الباب ... والذي يصنع الدّبس أو يبيعه يحمل نعت الدبّاس.
(١٥٢) الملبّن يعني على شكل قطع اللّبن أي الآجر" يصنع على عدة أشكال لا يوجد لها نظير في الدنيا ، كما يقول القلشندي ، وجلد الفرس يعني أيضا المصنوع قطعا تشبه جلد الفرس ، وقد تعودنا أن نتزود منه عند ما نزور بلاد الشام وخاصة بعد أن تطوّرت صناعته الجيّدة. فالملبّن وجلد الفرس واحد كما يقول ابن بطوطة.
(١٥٣) الزّبداني مدينة بدون أسوار على جوانب وادي بردى لها حدائق متمادية تمتد من هناك إلى دمشق" على ما يقوله أبو الفداء (ت ٧٣٢ ـ ١٣٣١.) أقول : وقد شعرت وأنا أزور الشيخ المكي الكتاني في هذا المصطاف عام ١٩٥٩ بأنني فعلا في فراديس يأخذ بعضها برقاب البعض ...
(١٥٤) القصد بالإحرام ليس ما يعرف عند الحجاج ولكن إلى ثوب يجعل على الرأس وينزل على الأكتاف على ما أسلفناه في الفصل الأول ، هذا وينتقد (گيب) سابقيه D.S. عندما زادا من عندهما أن الاحرام من القطن لأن هذه المناطق لا تنبت القطن!!