فيها من سورة الكوثر إلى آخر القرآن ، وللمجتمعين على هذه القراءة مرتبات تجرى لهم ، وهم نحو ستمائة انسان ، ويدور عليهم كاتب الغيبة فمن غاب منهم قطع له عند دفع المرتب بقدر غيبته(١٩٥) ، وفي هذا المسجد جماعة كبيرة من المجاورين لا يخرجون منه ، مقبلون على الصلاة والقراءة والذّكر لا يفترون عن ذلك ويتوضأون من المطاهر التي بداخل الصومعة الشرقية التي ذكرناها ، وأهل البلد يعينونهم بالمطاعم والملابس من غير أن يسألوهم شيئا من ذلك.
وفي هذا المسجد أربعة أبواب : باب قبلي يعرف بباب الزّيادة ، وبأعلاه قطعة من الرمح الذي كانت فيه راية خالد بن الوليد رضياللهعنه ، ولهذا الباب دهليز كبير متسع فيه حوانيت السقاطين وغيرهم ، ومنه يذهب إلى دار الخيل (١٩٦) ، وعن يسار الخارج منه سماط الصفارين وهي سوق عظيمة ممتدة مع جدار المسجد القبلي من أحسن أسواق دمشق ، وبموضع هذه السوق كانت دار معاوية بن أبي سفيان رضياللهعنه (١٩٧) ودور قومه ، وكانت تسمى الخضراء فهدمها بنو العباس رضياللهعنهم ، وصار مكانها سوقا ، وباب شرقي وهو أعظم أبواب المسجد ويسمى باب جيرون وله دهليز عظيم يخرج منه إلى بلاط عظيم طويل أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال (١٩٨) ، وفي جهة اليسار منه مشهد عظيم ، كان فيه رأس الحسين رضياللهعنه ، وبإزائه مسجد صغير ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رضياللهعنه ، وبه ماء جار.
وقد انتظمت أمام البلاط درج ينحدر فيها إلى الدهليز ، وهو كالخندق العظيم يتصل بباب عظيم الارتفاع تحته أعمدة كالجذوع طوال ، وبجانبي هذا الدهليز أعمدة قد قامت
__________________
(١٩٥) ما قدمه ابن بطوطة عن (المجتمع الكوثري) مأخوذ من رحلة ابن جبير ص ٢٢٠.
(١٩٦) دار الخيل في البداية كانت ملحقة بالقصر الأموي الذي أصبح جانب كبير منه محتلا فيما بعد بالمدرسة الأمينية المؤسسة عام ٥١٤ ـ ١١٢٠. ابن شداد : الاعلاق الخطيرة ، تحقيق : سامي الدهان ، دمشق ١٣٨٢ ـ ١٩٦٢ ، ص ٢٥ ...
(١٩٧) تلك الدار هي القصر الأخضر : أو (الخضراء) التي كان يسكنها الخليفة الأموي الأول معاوية (ت ٦٠ ـ ٦٨٠) وربما كانت من تشييد بيزنطي ... كان معاوية ابن أبي سفيان معدودا في كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم بعد إسلامه وتعلمه الكتابة والحساب ، بلغت فتوحاته المحيط الأطلسي ، أول مسلم ركب بحر الروم للغزو وأول من نصب المحراب في المساجد ... كان عمر يقول عنه : انه كسرى العرب! ترجم له عدد كبير من المؤرخين ... الاعلاق الخطيرة.
(١٩٨) كانت من بقايا معبد روماني وقد هدمت سنة ١٢٧٤ ـ ١٨٥٨.