وربما جفّت فحفر عن الماء في الجفار (٢٤٤). ثم رحلنا ونزلنا سميرة (٢٤٥) ، وهي أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون ، وماؤها كثير في آبار إلا أنه زعاق ويأتي عرب تلك الارض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام ، ولا يبيعون بسوى ذلك ، ثم رحلنا ونزلنا بالجبل المخروق (٢٤٦) ، وهو في بيداء من الأرض وفي أعلاه ثقب نافذ تخرقه الرّيح ، ثم رحلنا منه إلى وادي الكروش ، ولا ماء به ، ثم أسرينا ليلا وصبّحنا حصن فيد (٢٤٧) ، وهو حصن كبير فيبسيط من الأرض يدور به سور ، وعليه ربض وساكنوه عرب يتعيشون مع الحاجّ في البيع والتجارة ، وهنالك يترك الحجّاج بعض أزوادهم حين وصولهم من العراق إلى مكة شرفها الله تعالى ، فإذا عادوا وجدوه ، وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد ، ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوما في طريق سهل به المياه في المصانع.
ومن عادة الركب أن يدخلوا هذا الموضع على تعبئة وأهبة للحرب إرهابا للعرب المجتمعين هنالك وقطعا لأطعامهم عن الركب.
وهنالك لقينا أميري العرب وهما فياض وحيار واسمه بكسر الحاء واهمالها وياء آخر الحروف وهما أبناء الأمير مهنّا بن عيسى (٢٤٨) ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة ، فظهر منهما المحافظة على الحاج والرّحال والحوطة لهم ، وأتى العرب بالجمال والغنم فاشترى منهم الناس ما قدروا عليه.
__________________
(٢٤٤) الجفار جمع جفرة : الأرض المتسعة.
(٢٤٥) هي سميراء الحالية على بعد نحو ثلاثة وعشرين ميلا غربا : أربعين كيلومترا شمال شرقي الحاجر ...
(٢٤٦) يقع الجبل المخروق على بعد أربعين كيلومترا جنوب غرب حصن فيد الآتي مباشرة.
(٢٤٧) فيد : يقع على الخط ٠٨ / ٢٧ شمالا وخط ٢٨ ، ٤٢ شرقا.
مفترق طرق هام قديم لقافلة الحجاج ، ويقول ياقوت : " فيد في نصف طريق مكة من الكوفة ، يودع فيها الحجاج أزوادهم وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها". وقد عوض في القرن الثالث عشر الهجري بالحائل (HA il)
(٢٤٨) ذكر ابن بطوطة هنا ثلاث شخصيات هامة في تاريخ المنطقة السياسي والاجتماعي : أولا فياض بن مهنا الذي ولى الامارة من قبل الملك الناصر ... وهو الذي وقعت بينه وبين عمه سيف بن مهنا بن فهد وقعة بنواحي حلب انتصر فيها فياض عام ٧٤٠. مات بالعراق عام ٧٦١ ـ ١٣٦٠ (الدرر ٣ ، ١١٧) وأما حيار بن مهنا فقد كان بدوره أمير العرب ... قدم إلى مصر عام ٧٤٧ في سلطنة الكامل شعبان ... كانت وفاته عام ٧٧٦ ـ ١٣٧٥ (الدرر ٢ ، ١٨٩) وحول مهنا والدهما الذي سبقت ترجمته عند الحديث عن بلاد الشام I ، ١٦٩ تعليق ١٣٠ فيمكن أن تراجع ترجمته كذلك في الدرر ج ٥ ، ص ـ ١٣٩ ـ ١٤٠ ١٣٨.