ثم رحلنا ونزلنا الموضع المعروف بالأجفر (٢٤٩) ويشتهر باسم العاشقين : جميل وبثينة (٢٥٠) ، ثم رحلنا ونزلنا بالبيداء ثم أسرينا ونزلنا زرود (٢٥١) ، وهي بسيط من الأرض فيه رمال منهالة ، وبه دور صغار قد أداروها شبه الحصن ، وهنالك آبار ماء ليست بالعذبة ، ثم رحلنا ونزلنا الثعلبية (٢٥٢) ، ولها حصن خرب بازائه مصنع هائل ينزل إليه في درج ، وبه من ماء المطر ما يعم الركب ، ويجتمع من العرب بهذا الموضع جمع عظيم فيبيعون الجمال والغنم والسمن واللبن ، ومن هذا الموضع إلى الكوفة ثلاث مراحل (٢٥٣) ، ثم رحلنا فنزلنا ببركة المرجوم ، وهو مشهد على الطريق عليه كوم عظيم من حجارة وكل من مرّ به رجمه ، ويذكر أن هذا المرجوم كان رافضيا فسافر مع الركب يريد الحج فوقعت بينه وبين أهل السّنّة من الأتراك مشاجرة فسب بعض الصحابة فقتلوه بالحجارة ، وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب ، ويقصدون الركب بالسمن واللبن وسوى ذلك ، وبه مصنع (٢٥٤) كبير يعم جميع الركب مما بنته زبيدة ، رحمة الله عليها ، وكل مصنع أو بركة أو بئر بهذه الطريق التي بين مكة وبغداد فهي من كريم آثارها جزاها الله خيرا ، ووفّى لها أجرها ... ولولا عنايتها بهذه الطريق ما سلكها أحد.
__________________
(٢٤٩) حاليا يعرف بالأجفر ، وقد كان المكان في تلك الفترة أهلا بالسكان ، والأجفر جمع جفر وهو البئر الواسعة ، على بعد ٢٨ ميلا عربيا من فيد ، وحسب ابن رسته فانه كان به مسجد جامع للصلاة.
(٢٥٠) كان الشاعر جميل ـ وهو من قبيلة عذرة ـ هو الذي انشأ نوعا من الشعر الرومانتيكي المعروف تحت اسم الشعر العذري ، أغلبه كان موجها إلى حبيبته بثينة ...
(٢٥١) زرود يوجد على بعد ثلاثين كيلومترا من الأجفر ، ويسمى أيضا الخزيمية نسبة إلى خزيمة بن خازم التميمي ٢٠٣ ـ ٨١٩ وقد قام هذا القائد الكبير بانشاء آبار في هذه المحطة ، على بعد ٢٠ ميلا غربا من الأجفر ، وهي على الخط ٥٤ / ٢٦ شمالا وخط ١٦ / ٤٣ شرقا حوالي ٧٥ ميلا انجليزيا شمال شرقي فيد على خط مستقيم.
(٢٥٢) تقع الثعلبية على بعد ستين كيلوميترا من زرود وبها شبه حصن ، انظر ابن جبير ص ١٦٤.
(٢٥٣) هنا أيضا وقعت إساءة قراءة لنص ابن جبير الذي يقول : " وبقى من هذا الموضع (يعنى الثعلبية) إلى الكوفة من المناهل التي تعمّ جميع المحلة ثلاثة أحدها زبالة ، والثاني واقصة ، والثالث منهل من ماء الفرات على مقربة من الكوفة ، وبين هذه المناهل مياه موجودة لكنها لا تعم ... محرر الرحلة اختصر هذا الكلام ليعوض كلمة" المناهل" بكلمة المراحل وهذا غير دقيق ... وبعد هذا تحدث ابن جبير عن القتال الشديد على الماء في محطة الثعلبية الذي أودى بسبعة رجال ...
(٢٥٤) حول المرجوم يلاحظ أن الحكاية أخذت من رحلة ابن جبير هذا وحسب ما عند ابن رسته والهمداني فإن المحطة التي تقع بين الثعلبية وبين المشقوق هي البطائية أو البيطان على بعد ٢٨ ميلا غربا من الثعلبية.