الحل والترحال ... وقد كان يصدق عليه قول ابن زريق البغدادي في قصيدته :
ما آب من سفر إلا وأزعجه |
|
رأى إلى سفر بالعزم يجمعه |
كأنّما هو من حل ومرتحل |
|
موكّل بفضاء الله يذرعه! |
إذا الزمان أراه بالرحيل غنى |
|
ولو إلى السّند أضحى وهو يزمعه!! |
لقد قام ابن بطوطة برحلاته العديدة التي كان يستهدف فيها أحيانا لسائر أنواع الامتحان ، ويتعرض للخطر في عدد من الحالات ... ، وحتى عند ما قام بزيارة الأندلس وبلاد السودان ، لكنه نجا من جميع تلك الأهوال فكان لسان حاله ينشد قول الشريف الادريسي :
دعني أجل ما بدت لي |
|
سفينة أو مطيّة |
لا بدّ يقطع سيري |
|
أمنة أو منية!! |
وإن الذين يسمحون لأنفسهم بتحجيم ابن بطوطة والادعاء بأنه كان محدود الثقافة كانوا بعيدين عن الحقيقة ... ولعل بعضهم ظلّل بما قرأه عن تكليف السلطان أبي عنان للكاتب ابن جزي بترتيب الرحلة ... حيث وجد في ذلك ما يعبر ـ ربّما ـ عن" عجز" ابن بطوطة عن القيام بالمهمة ...! وهذا خطأ" بيّن ، تكشف لنا عنه أولا الصفة التي رشّحت ابن جزي للقيام بهذا العمل والتي أشار اليها المقري في (النفح) " بأنه أي ابن جزي ، إن كتب أربى على ابن مقلة بخطّه ..." وثانيا ما أضفاه ابن جزي نفسه في المقدمة على ابن بطوطة من كل الاوصاف التي تؤكد عن عمق معارف الرحالة : فهو" الشيخ ، وهو الفقيه وهو الثقة وهو الصدوق ، وهو الذي باحث فرق الأمم ، وسبر سير العرب والعجم ، ولم أتعرض ـ يقول ابن جزي ـ لبحث عن حقيقة ما قال لأنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك ...!
ونريد أن نقول ، ونحن نقف إلى جانب من يقتنعون بالمركز العلمي الموموق للرحالة المغربي ، نقول : إن القرار الذي اتخذه السلطان أبو عنان بالإعلان عن مصداقية الرحلة وأهميتها لم يكن قرارا ارتجاليا أو عاطفيا ، ولكنه كان وليد استمزاج رأي أعضاء المجلس العلمي الذي اعتاد السلطان أن يركن إليه كلّ مطلع شمس ، ذلك المجلس الذي كان بمثابة أكاديمية حقيقية يلجأ إليها العاهل عند الحاجة ، وقد قرأنا فيما سجله الكاتب ابن جزي في مقدمة الرحلة أنه" لا تقع في مجلس أبي عنان مسألة علمية في أيّ علم كان ، إلا حل مشكلها