وباحث في دقائقها واستخرج غوامضها واستدرك على علماء مجلسه ما فاته من مغلقاتها ... فكانت مجالسه لا تخلو من مباحثات ومناظرات ...
وقد ذكر العلامة المؤقت أبو زيد عبد الرحمن الجاديري (ت ٩٣٨ ـ ١٥٣٤) نقلا عن شيخه الرئيس أبي الوليد اسماعيل بن الأحمر (ت ٨٠٧ ـ ١٤٠٥) في شرحه لقول البوصيري :
لعلّ رحمة ربي حين يقسمها |
|
تأتي على حسب العصيان في القسم |
ذكر ما يؤكد أن ابن بطوطة كان معدودا في صدر أعضاء ذلك" المجلس الأكاديمي". وقد وقع الكلام بين يدي السلطان أمير المؤمنين أبي عنان ... في مقعد ملكه من المدينة البيضاء من حضرة فاس بمحضر الفقهاء والعلماء والأساتذة والقضاة والشرفاء والخطباء وأصحاب العلوم ... وأخذ الرئيس أبو الوليد يعددهم واحدا واحدا إلى أن قال : وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب الحاج الكثير الجولة بالمشرق والمغرب وجميع البلاد محمد ابن بطوطة الطنجي العارف بالتاريخ ..." على ما نذكره في الملاحق.
ومعنى هذا أن الرحالة المغربي كان معدودا في صدر رجالات الفكر والعلم والدولة جميعا (١٥)
وللمتتبع لغضون الرحلة أن يقف بنفسه عند الخطوات الأولى للرجل ، وهو يودّع طرابلس ، عند ما تقدم على سائر رفاقه وفرض نفسه على بقية أعضاء الركب.
وإن ابن بطوطة ، وهو ما يزال في بداية طريقه ، في الاسكندرية أخذ عن الشيخ ياقوت تلميذ أبي العباس المرسي ، فهو شادلي بالواسطة وقد حصل في دمشق على نحو من ثلاث عشرة إجازة ، وفيمن أجازوه أم عبد الله زينب بنت الكمال المقدسية ، ولقد كان حريصا على أن يذكر أسماء الذين أجازوه في أرض الشام ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على" انتساب" الرجل إلى بيت العلم والفقه والحديث ...
__________________
(١٥) الكتاني : السلوةII ص ١٥٧. العابد الفاسي : الخزانة العلمية بالمغرب ، مطبعة الرسالة ، الرباط ١٩٦٠. التازي : تاريخ القرويين ٢ ، ص ٥٠٢ طبعة بيروت ١٩٧٢. زمامة : أبو الوليد بن الأحمر ، دار المغرب ١٩٧٩ ص ٢٩٦.
(١٦) قال في التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية تعليقا على ملاحظة ابن بطوطة للحن خطيب الجمعة التي ذكرها للاعتبار : وفي ذلك يقول الشيخ عثمان بن سعد المالكي الشهير آخر فضلاء البصريين :
قد كانت البصرة الفيحاء من قدم |
|
مجرى لأبحر نحو تقذف الدّررا |
فاصبحت وهي صفراء الوشاح فلا |
|
نحويّ فيها سوى نزر ، وهم فقرا!! |