الأخرى ، والأوقية والدينار المغربي وما تعرف عليه هناك مما سماه التّنكة ... ولم يفته ، وهو يتحدث عن دور ضرب السّكة في الصّين أن يذكر دور السكة في بلاده المغرب. إن أسعار الخيول هناك غيرها في المغرب ... وإن أسعار الفراء في أرض الظلمة ترتفع إلى مبلغ هائل لا يتصوره شخص نشأ في أرض لا ترتدي الفراء.
وقد رأيناه أحيانا يربط بين المعلومات المتعلقة بآسيا والمعلومات المتصلة بإفريقيا السوداء ... ومن هنا اعتبرت الرحلة في العصر الوسيط دليلا تجاريا للذين تهمهم الدراسات الاقتصادية على ذلك العهد على ما أشرنا إليه (٢١)
ومن الملاحظ أن الرجل كان يتأقلم بسرعة زائدة ، فهو يتعلم اللّغة التي يتكلم بها القوم الذين ينزل بساحتهم ... وقد بدأ يفهم اللغة الفارسية قبل أن يتعلم التركية ، لأن الفارسية كانت منتشرة في المنطقة كلّها حتّى في بلاد الصّين ويكتب اللّغتين بحروف عربية على ما كان عليه الحال ...
وحتى إذا لم يحسن الكلام باللسان فان اذانه تلتقط ما يصلها من جمل وكلمات ، ومن هنا وجدناه يردد بعض الكلمات التي تطرق سمعه بالفارسية والتركية (٢٢) ...
وفي سائر الحالات فانه لم يكن يشعر بمركّب نقص وهو يستعين بترجمان ينقل عنه ما يريد أن يقول ، وفي هذا الصدد ساق بعض النكت التي وقعت له مع بعض التراجمة من الذين يدّعون أنهم يحسنون اللغة!
ومن تأقلمه وجدناه يتناول التنبول منذ وصوله إلى دمشق وأثناء مقامه بمكة المكرمة وبافريقيا الشرقية وطول مقامه بالهند ... إن سائر الأشياء كانت بالنسبة إليه مقبولة ما دامت ترضي من يوجد حواليه شريطة أن لا تخالف مبادئه.
ولم يفت ابن بطوطة أن يتعرف على جنسيات السفن التي كان يمتطيها للقيام برحلته ، بل لم يفته أن يشيد بمن يستحق الاشادة إنصافا وعدلا ، ويندد بمن كان سلوكه لا يرتضى ، لا فرق عنده بين مسلم ونصراني على نحو ما كان يفعله الرّحالة ابن جبير والرّحالة أبو حامد الأندلسي الغرناطي ... ولقد أخذنا فكرة عن الحركة البحرية على عهده ، كما عرفنا عن الأساطيل التجارية التي كانت لها الهيمنة على ذلك العهد ، فقد كان يتنقل مع السفن الجنوية والصّينية واليمنية والعمانية والكطلانية ...
__________________
(٢١) د. أحمد مطلوب : الملامح الاقتصادية في رحلة ابن بطوطة ، المجمع العلمي العراقي ١٩٩٤.
(٢٢) د. عادل خلف : معجم ألفاظ ابن بطوطة غير العربية ـ الملاحظات اللغوية لابن بطوطة ١٩٩٤ مكتبة الآداب ، القاهرة. التازي : ابن بطوطة استثمار عربي : المجمع الثقافي أبو ظبي ـ ماي ١٩٩٦