قلد زعامة الاصحاب ورياسة الطائفة وفوّض أمور الأوقاف إليه وصارت حشمته وزر العلماء الأئمة والقضاة وقوله في الفتوى مرجع العظماء والأكابر والولاة.
واتّفقت له نهضة في أعلى ما كان من أيّامه إلى إصبهان بسبب مخالفة بعض من الأصحاب ، فلقي بها من المجلس النظامي ما كان اللائق بمنصبه من الاستبشار والاعزاز والاكرام بأنواع المبارّ وأجيب بما كان فوق مطلوبه وعاد مكرما إلى نيسابور].
ثمّ انصرفت همّته إلى تصنيف المذهب الكبير المسمّى بنهاية المطلب في دراية المذهب حتى حرّره وأملاه (١).
توفي ليلة الأربعاء بعد صلاة العتمة الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربع مئة ، وغلّقت أبواب المدينة بموته [٥٧ أ] وصلّى عليه ابنه والعالم جميعا ودفن في داره ثمّ نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين إلى جنب والده. وكان مولده ثامن عشر المحرّم سنة تسع عشرة وأربع مئة.
سمع الكثير من الحديث في صباه من مشايخ الطبقة الثانية مثل الشيخ أبي حسّان ، وأبي سعد النصروي ، وأبي سعد ابن عليك ، ومنصور بن رامش ، وأبي عبد الله المزكي ، ثمّ من بعدهم.
وجمع له كتاب الاربعين فسمعناه بقراءتي وسمع سنن الدار قطني من الشيخ أبي سعد ابن عليك.
وقرأت من شعره في خطبة كتاب الغياثي الذي صنّفه باسم نظام الملك :
فلا زال ركب المعتنين منيخة |
|
بذروتك العليا ولا زلت مقصدا |
يدين لك الشيخ الأنوف تخضعا |
|
ولو أن زهو الأنف أبدت تمرّدا |
لحابك (٢) أقطار السماء تجرها |
|
إليك لتعفو أو لتوردها الردى |
__________________
(١) وبعده في الطبقات : وأتى فيه من البحث والتقرير والسبك والتنقير والتدقيق والتحقيق بما يشفي الغليل وأوضح السبيل ونبّه على قدره ومحله في علم الشريعة ودرس ذلك للخواص من التلامذة وفرغ منه ومن إتمامه فعقد مجلسا لتتمّة الكتاب حضره الأئمة والكبار وختم الكتاب على رسم الاملاء والاستملاء وتبجح الجماعة بذلك ودعوا له وأثنوا عليه ، وكان من المعتدين باتمام ذلك الشاكرين لله عليه فما صنف في الإسلام قبله مثله ولا اتفق لأحد ما اتفق له ، ومن قاس طريقته بطريقة المتقدمين في الأصول والفروع وأنصف أقرّ بعلوّ منصبه ووفور تعبه ونصبه في الدين وكثرة سهره في استنباط الغوامض وتحقيق المسائل وترتيب الدلائل ، هذا ونقل السبكي بعد هذا كلاما مطولا عن المصنف.
وسيأتي تحت الرقم ٢١٥٤ قصيدة لأبي الحسن الجوري في رثائه.
(٢) ولعله (الحقك) ، والخط مشوش جدا.