أبي القاسم الاسكاف الأسفرايني فكان يواظب على مجلسه (١) ويواظب على المناظرة إلى أن ظهر التعصّب بين الفريقين [واضطربت الأحوال والأمور] فاضطر إلى السفر [والخروج عن البلد ، فخرج مع المشايخ إلى المعسكر] فتجهّز إلى بغداد [يطوف في [ظ] المعسكر ويلتقي بالأكابر من العلماء ويدارسهم ويناظرهم حتى تهذب في النظر وشاع ذكره] وصحب عميد الملك أبا نصر الكندري مدّة وخرج إلى الحجاز وحجّ وجاور بمكّة أربع سنين يدرّس ويفتي ويجمع طرق المذهب [ويقبل على التحصيل إلى أن اتفق رجوعه بعد مضي نوبة التعصب].
ثمّ عاد إلى نيسابور في ولاية السلطان ألب أرسلان ، تزيّن وجه الملك باشارة نظام الملك [واستقرت أمور الفريقين وانقطع التعصب] وعاد إلى التدريس [وكان بالغا في العلم ذا مهابة مستجمعا أسبابه] ، وبنيت المدرسة الميمونة النظامية وأقعد فيها مدرسا ، واستقامت أمور الطلبة ، وبقي ذلك قريبا من ثلاثين سنة [غير مزاحم ولا مدافع ، مسلّم [ا] له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التذكير والمناظرة وهجرت له المجالس وانغمر غيره من الفقهاء بعلمه وبسطته وكسدت الاسواق في جنبه ونفق سوق المحققين من خواصه وتلامذته وظهرت تصانيفه وحضر درسه الأكابر والجم الغفير العظيم من الطلبة وتخرج به جماعة من الأئمة والفحول وأولاد الصدور حتى بلغوا محلّ التدريس في زمانه وانتظم بإقباله على العلم ومواظبته على التدريس والمناظرة والمباحثة أسباب ومحافل ومجامع وامعان في طلب العلم وسوق نافقة لأهله لم تعهد قبله واتصل به ما يليق بمنصبه من القبول عند السلطان والوزير والأركان ووفور الحشمة عندهم بحيث لا يذكر غيره فكان المخاطب والمشار إليه والمقبول من قبله والمهجور من هجره والصدر في المجالس من ينتمي إلى خدمته والمنظور إليه من يغترف في الأصول والفروع من طريقته ، واتفق منه تصانيف برسم الحضرة النظامية قبل النظامي والغياثي وإنفاذها الى الحضرة ووقوعها موقع القبول ومقابلتها بما يليق بها من الشكر والرضا والخلع الفائقة والمراكب المثمنة والهدايا والرسومات وكذلك إلى أن
__________________
(١) وبعده في الطبقات : وقد سمعته يقول في أثناء كلامه : كنت علقت عليه في الأصول أجزاء معدودة وطالعت في نفسي مئة مجلدة ، وكان يصل الليل بالنهار في التحصيل حتى فرغ منه ، ويبكر كل يوم قبل الاشتغال بدرس نفسه إلى مجلس الاستاذ أبي عبد الله الخبازي يقرأ عليه القرآن ويقتبس من كل نوع من العلوم ما يمكنه مع مواظبته على التدريس وينفق ما ورثه وما كان له من الدخل على المتفقهة ويجتهد في ذلك ويواظب على المناظرة ...