وتخرّج به جماعة من الأئمة والفحول ، وأولاد الصدور ، حتى بلغوا محلّ التدريس فى زمانه.
وانتظم بإقباله على العلم ومواظبته على التدريس والمناظرة والمباحثة ، أسباب ومحافل ومجامع ، وإمعان فى طلب العلم ، وسوق نافقة لأهله لم تعهد قبله.
واتصل به ما يليق بمنصبه من القبول عند السلطان والوزير والأركان ، ووفور الحشمة عندهم ، بحيث لا يذكر غيره ، فكان المخاطب والمشار إليه ، والمقبول من قبله ، والمهجور من هجره ، والمصدّر فى المجالس من ينتمى إلى خدمته ، والمنظور إليه من يغترف فى الأصول والفروع من طريقته.
واتّفق منه تصانيف برسم الحضرة النّظامية ، مثل النّظامىّ ، والغياثىّ ، وإنفاذها إلى الحضرة ووقوعها موقع القبول ، ومقابلتها بما يليق بها من الشكر والرّضا ، والخلع الفائقة ، والمراكب المثمّنة ، والهدايا والمرسومات.
وكذلك إلى أن قلّد زعامة الأصحاب ورياسة الطائفة ، وفوّض إليه أمور الأوقاف.
وصارت حشمته وزر العلماء والأئمة والقضاة ، وقوله فى الفتوى مرجع العظماء والأكابر والولاة.
واتّفقت له نهضة فى أعلى ما كان من أيامه إلى أصبهان ، بسبب مخالفة بعض من الأصحاب ، فلقى بها من المجلس النّظامىّ ما كان اللائق بمنصبه من الاستبشار والإعزاز والإكرام بأنواع المبارّ ، وأجيب بما كان فوق مطلوبه ، وعاد مكرّما إلى نيسابور.
وصار أكثر عنايته مصروفا إلى تصنيف المذهب الكبير المسمى بنهاية المطلب فى دراية المذهب ، حتى حرّره ، وأملاه ، وأتى فيه من البحث والتقرير ، والسّبك والتنقير ، والتدقيق والتحقيق بما شفى الغليل ، وأوضح السبيل ، ونبّه على قدره ومحلّه فى علم الشريعة ، ودرّس ذلك للخواص من التلامذة ، وفرغ منه ومن إتمامه ، فعقد مجلسا لتتمّة الكتاب ، حضره الأئمة والكبار ، وختم الكتاب على رسم الإملاء والاستملاء ، وتبجّح الجماعة بذلك ، ودعواله وأثنوا عليه ، وكان من المعتدّين بإتمام ذلك ، الشاكرين لله عليه ، فما صنّف فى الإسلام قبله مثله ، ولا اتّفق لأحد ما اتّفق له ، ومن قاس طريقته بطريقة المتقدّمين فى الأصول والفروع وأنصف أقرّ بعلوّ منصبه ، ووفور تعبه ونصبه فى الدّين ، وكثرة سهره فى استنباط الغوامض ، وتحقيق المسائل وترتيب الدلائل.