وحكي أن السلطان اجتاز بباب المسجد فدخل مراعاة له ، فأخبر بذلك وكان في الصلاة فما قطعها ، وما تكلّف له حتى وصل السلطان ، فطاف به في المسجد ، وكان السلطان يتبرك به إلى أن خرج ، وجرى على لسانه انّ في دولتي من لا يخاف منّي وإنما يخاف من الله وأشار إليه مع شدة [١٦ ب] بطش السلطان وتهوّره في الأمور. على هذا كان يعيش معهم قليل المبالاة بهم [ظ].
ومن جملة ما قام به للمسلمين عند بناء المسجد مع تراكم الأحوال كثرة النفقة في القحط ـ الواقع في شهور سنة إحدى واثنين وستين واربع مئة ـ والغلاء حتى إنه كان ينصب القدور والمراجل كل يوم ، ويطبخ في [ها] المرق ، ويحضر كل يوم زيادة على ألف منّ خبزا ، ويجمع الفقراء في المسجد ويفرّق الخبز والمرقة عليهم. بحيث [ظ] كان ذلك سببا لمعاش أمّة من المسلمين بنيسابور مع ما كان يوصل إليهم من صدقات السرّ ما لم يطّلع عليه أحد ظاهرا.
وكان يتفقّد الفقراء المتعفّفين المستورين في الزوايا وينفذ إليهم الصدقات خفية ، ويقوم للمسلمين بحقوقهم. ومن صدقاته اتخاذ الجباب والأقمصة والسراويلات أوايل الخريف للشتاء كل سنة ما يكسو به قريبا من ألف فقير يفرقها عليهم ويعين في تجهيز بنات الفقراء والأيتام.
ويسعى في الخيرات عموما. ومن جملة مساعيه : رفع الأعشار من أبواب البلد ورفع القسم والوظايف عن القرى وأرباب الخراج ورفع مصارفة الصحيح والمكسور من النقود وإبطال الطرح الموظف من جهة العمال على الرعايا ومكاتبة السلطان بالترفيه على الرعية ونسخ رسوم الظلم وتفرقة الأموال على الفقراء والعلماء وأهل التجمل كل سنة.
ومن جملة ذلك ما شاهدناه : أنه استدعى من السلطان صدقة عامّة على أهل البلد ، غنيّهم وفقيرهم حتى أمر بذلك فكان يطوف العاملون على الدور والأبواب على المحال ، ويعدّون سكان الدور فيدفع إلى كل واحد منهم خمسة من الدراهم الفتحية [ظ] من غير تمييز بين العبيد والأحرار والصغار والكبار.
ولم يزل يسن هذه السنن المرضية حتى اقتدى به الوزير والعميد وأركان الدلة ، فكانوا يجرون على هذه الطريقة ، ولا تخلو السنة عن التفرقة على هذا النحو في الطوائف ، وكان ذلك [من] بركته ومن حسن سعيه ، ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها [١٧ أ] إلى يوم القيامة.
ثم كان يحيي الليالي قائما في الصلاة ، ويصوم الأيام ويجتهد في العبادة اجتهادا لا يطيق أحد