وعلى الرغم من أن العرب قد عرفوا الطريق إلى القارة الأفريقية عن طريق القوافل التجارية التى كانت تسلك السواحل الغربية للقارة أو يصعدون فى حوض النيل إلى قلبها إلا أن نتائج هذه الرحلات لم تكن معروفة أيضا عند الأوروبيين حتى يستفيدوا منها ، لهذا نجد أن بوركهارت تحمّل مصاعب جمة وهو يجتاز القرى النوبية من شمالها إلى جنوبها ، مخترقا الجبال والوديان والسهول فى وقت لم تكن وسائل النقل الحديثة قد عرفت ، مما اضطره إلى الاستعانة بالنوق المعروفة بسفينة الصحراء وتحملها الجوع والعطش تحت درجات الحرارة العالية ، وعلى الرغم من أن المسافة بين قرية وأخرى كان يمكن قطعها فى زمن لا يزيد على الساعة أو الساعة والنصف باستخدام المراكب الشراعية ، إلا أنه كان يستغرق لقطعها زمنا طويلا يزيد عن ثمان ساعات لوعورة الطرق التى كان يسلكها وطبيعة البلاد القاسية ، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع أن يكيف نفسه على تحمل هذه الصعاب ، خاصة الأطعمة الخشنة التى عاش عليها النوبيون خلال هذه الفترة ؛ فالخبز مصنوع من دقيق الذرة الخشن ، والإدام غالبا ما يكون من ورق اللوبيا (الكشرنجيج) أو العدس المخلوط بالويكة ، وربما كان الوقت الذى أقدم فيه على هذه الرحلة لم يكن مناسبا ؛ فقد تصادف مع هروب المماليك إلى هذه المناطق من مذبحة القلعة التى دبّرها لهم محمد على ، الأمر الذى جعل الكثير من حكام النوبة يشكون فيه وفى مقصدة ؛ فقد ظنه الكثير منهم أنه أحد رجالات محمد على جاء ليتجسس عليهم وعلى من يناصرهم من هؤلاء الحكام الذين أظهروا تعاطفهم معهم ، ولو لا الخطابات التى كان يحملها لهم من حاكم إسنا لما لاقت رحلته النجاح ، بل ربما كان قد لقى حتفة على يد أحدهم.
لقد حقق بوركهارت بعض الأهداف من رحلته إلى بلاد النوبة ؛ فعرف طبيعة المنطقة ... جبالها ووديانها ومناخها ونباتاتها وطرق ريها ومواسم حصادها وحيواناتها وطيورها ، وأيضا مناطق التعدين بها ، كما عرف عادات أهلها وتقاليدهم وأصولهم وأسلافهم ، وكذا معابدها الكثيرة المنتشرة فى أنحائها ، ابتداء من معبد أبى سمبل ومرورا بمعابد السبوع وكلابشة والدكه وقورته وقرشه ومرواو وبلانه.