إنها تبدو أكثر حيوية من نقوش طيبة ، وتتميز صور الحيوان على الأخص بالأمانة والدقة ، وتتضح أهمية هذه النقوش حين يتأمل المرء الموضوعات التى صورتها ، فهى سجل لحقيقة تاريخية لم يرد ذكرها فى أى معبد مصرى آخر. فقد حمل فرعون ألويته إلى بلد تسكنه الأسد والزراف والقردة والفيلة ، وهى حيوانات لا تعيش فى النوبة أو دنقلة ، فالفيل والزراف يسكنان ضفاف النيل عند سنار والغابات الواقعة على حدود الحبشة وضفاف عطبرة (١) والنيل الأزرق (٢) التى تجلب منها اليوم أيضا لمصر أجمل الجوارى وأغلاهن ثمنا ، فهذه الغنائم كلها تشير إلى أن المعارك لا بد قد دارت فى البلاد الواقعة جنوبى إقليم مروى القديم المتحضر ، لأن الأسرى اللابسين جلود الوحوش دليل على أن العدو أمة متوحشة. أما مناظر المعارك التى تراها على معابد طيبة ـ سواء فى الأقصر أو الكرنك ـ فيبدو أنها تشير إلى ميادين حربية أقرب من تلك. أفلا يجوز أن تكون القلاع المرسومة على هذا المعبد ذات صلة بجزائر بطن الحجر التى كان بها حصون ترى من مخلفاتها الأطلال الكثيرة من الآجر؟ ومظهر رءوس الهاربين (التى اختلطت على البعض فحسبوا شعورها المحلوقة طواقى) ، ولحاهم القصيرة الرقيقة المرسلة تحت ذقونهم .. كل هذه سمات يتميز بها أهل نوبا الذين لم تبلغ سمرتهم درجة السواد ، إنما هى سمرة نحاسية قاتمة يؤثر الرسام الذى لم يحذق مزج ألوانه أن يعبر عنها بالحمرة الداكنة لا بالسواد. وليس من العسير أن يتصور المرء أن سكان المناطق الجدباء فى النوبة وبطن الحجر كانوا يتطلعون إلى خيرات مصر وثرائها بعين الحسد ، فكانوا يغيرون الفينة بعد الفينة من حصونهم على أقاليم مصر المجاورة حالبين عليهم بذلك سخط ملوك طيبه ونقمتهم.
والمعبد الصغير الذى أوردت وصفه يسميه الأهالى بيت الوالى ، ويتعذر على المسافر فى النيل أن يراه إلا إذا استفسر عنه. وفى التل المجاور له المحاجر التى اقتطعت منها الأحجار لبناء المدينة ومعبدى كلابشه. ولا ريب فى أن هذه المدينة هى نلميس
__________________
(١) Astaboras
(٢) Astabus