على مياه النيل فى مصر فى أثناء الشتاء حين تبلغ التحاريق أقصاها. ولا يسقط المطر على وادى النيل فى النوبة ، فيما خلا شآبيب خفيفة ، ولكن هناك فصلا منتظما للمطر على الجبال الشرقية حتى السويس ، وتنمو على هذا المظر الأعشاب البرية الوافرة والمراعى التى تنتجعها ماشية البدو القاطنين تلك الأصقاع. وقد ذكرت فى يومياتى عن فلسطين ظاهرة شبيهة بهذه فى جبال شرقى فلسطين ، فقلما يسقط المطر على وادى الأردن أو الغور ، فى حين أن للجبال على ضفتيه فصلا مطيرا منتظما. وقدم لنا مضيفنا فى أبو هور هذا المساء «العصيدة» وهى سنابل خضراء من الشعير مسلوقة فى الماء ومخلوطة باللبن.
٢٦ فبراير ـ يقطع المسافر وادى أبو هور فى نحو ثلاثة أرباع الساعة. ومررنا بقرية دندور بعد مسيرة ساعتين ، وبوادى أبيض بعد ثلاث ساعات ونصف وما زال السهل على ضيقه الشديد. وقد أقام سكان النوبة الأقدمون جسورا من الحجر تمتد عشرين أو ثلاثين ياردة فى عرض النهر لينتزعوا منه رقعة من الأرض. وهذه الجسور تكسر من حدة التيار فتخلف شمالها مساحة صغيرة من الأرض لا تغمرها المياء. وكثير من هذه الجسور لا يزال باقيا ولكنه متهدم. وقد لاحظت وجود جسور مماثلة على الضفة الغربية للنهر تجاه الجسور الشرقية تماما. ومررنا بمارية (مريم) بعد أربع ساعات ونصف ، وبقرشة بعد خمس واجتزت خرائب مدينة قديمة أرجح أنها مدينة عربية ، بعضها مبنى بالآجر وبعضها بالحجارة الصغيرة. ويروى الأهالى أن ملكا يدعى دبقورا كان يملك فيها. والوادى عند فرشه أعرض منه فى أى مكان جنوبى أسوان ، ويبلغ الميل عرضا. وقرشة فقيرة فى السكان كسائر القرى التى مررت بها حتى الآن ، فثلثا منازلها مهجور. وقد خرب الإقليم المماليك الذى سكنوه شهورا أثناء تقهقرهم أمام جيوش محمد على التركية ، والقليل الذى أبقوا علية أتى عليه الجنود الترك الذين يقودهم إبراهيم بن محمد على ، الذى أفلح أخيرا فى طرد المماليك من النوبة فعبروا الجبال إلى سهول دنقلة ، وقد فشت بعد تقهقرهم مجاعة رهيبة هلك فيها ثلث سكان النوبة من الفاقة والحرمان ، أما الباقون فلاذوا بمصر ، وأقاموا بالقرى الواقعة بين أسوان وإسنا حيث هلك منهم بالجدرى خلق كثير. ولم يعد السكان