فلم أقدم لهم سوى قرش واحد يتقاسمونه فيما بينهم (١). ولما أبوا أن يقبلوه ، خلعت ثيابى وسلمتها للدليل ، ووضعت محفظتى فى عمامتى ، ثم سبحت إلى الجزيرة. وما إن وطئتها قدماى حتى أسرع القارب خلفى. وما كان أشد اغتباطهم بعد ذلك بأن يعيدونى بالقرش. ولما زرت الجزيرة ثانية بعد يومين ، وجدتهم أقل شططا فى مطالبهم. وقد أنبئت بحالات ابتزوا فيها من الزوار أكثر من عشرين قرشا ، وذلك بهديدهم إياهم بالعودة إلى البر وتركهم وحدهم على الجزيرة. والبربا خاضعة لحكام النوبة ، أما زمام أسوان الخاضعة لمصر فيبدأ شمال فيلة.
وليس فى نيتى أن أعلق بشىء على زيارتى فيلة أو جزيرة البجة المجاورة لها ، فقد تناول هذه الآثار كلها الكتاب الفرنسى العظيم «وصف مصر» تناولا لا يترك زيادة لمستزيد.
وعدت إلى أسوان فى العشية ، فوجدت. خادمى وقد تطرق إليه اليأس من رجوعى. ولم أكن أصبت من الراحة فى رحلتى التى غبت فيها خمسة وثلاثين يوما سوى يوم واحد قضيته بالدر حين بلغتها أول مرة. وكان طوال السفر أضنانى وأضنى بعيرى ، فعزمت على الاستجمام أياما ، واستأجرت غرفة فى الوكالة ، ومكثت خمسة أيام زرت فى أثنائها أرباض المدينة على مهل ، وكان مجرى النهر بين أسوان وجزيرة إلفنتين ، التى كنت أقضى فيها صباحى ، جافا تقريبا. وسوف يعيى السائحين طول البحث عن مقياس إلفنتين ما دامت الأنقاض تغطى ضفاف النيل العالية. أما المقياس الذى بناه معاوية فما زال موجودا ، وهو كوة منخفضة فى مستوى النهر فى قاعها درجات ، كانت تقاس بها زيادة الماء بسهولة ، وتقع قرب طرف الرصيف الذى يكوّن مرفأ أسوان. وليس هذا الرصيف جسرا رومانيا كما خاله بعض الرحالة ، وإنما هو بناء عربى.
وعلى الضفة الغربية إلى الشمال قليلا من أسوان دير قديم يقوم على سفح التل الرملى الذى بنيت على قمته مقبرة القديس المشهورة باسم «قبة الهواء». وفى الصخور الواقعة تحت الدير عدة معابد ومقابر أثرية منحوتة فى الصخر لم يشر إليها أحد من الرحالة. وهى طريفة لعراقتها فى القدم ، ويتألف المعبد منها من حجرة
__________________
(*) أجرة المعدية فى مصر هى عادة بارة واحدة.