ويقول رواتهم إن النوبيين الحاليين أصلهم من بدو جزيرة العرب (١) الذين غزوا هذا القطر بعد انتشار الإسلام أما معظم الأهالى المسيحيين الذين رأيت كنائسهم منتشرة فى النوبة حتى سكوت ، فقد هربوا من وجههم أو قتلوا (٢) وقليل منهم من اعتنق دين الغزاة كما ذكرت آنفا ، وترى اليوم أحفادهم فى تيفة وسرّه شمالى وادى حلفا. واستولت قبيلتا الجوابرة والغربية (وهى فخذ من أفخاذ زناته) على الإقليم من أسوان إلى وادى حلفا ، ونشر عرب القبيلتين بعد ذلك سلطانهم على كثير من العشائر الصغيرة التى سكنت ضفاف النيل أيام الفتح ، ومن بين هذه العشائر الكنوز ، وأصلهم من نجد والعراق. واحتلت قبيلة الجعافرة الكبيرة ضفاف النيل من إسنا إلى أسوان ، وسكنت بطن الحجر أسر قليلة من الأشراف ، واستولت عشيرة من عشائر قريش على المحسّ. وظل هؤلاء العرب يحتلون النوبة قرونا لا تنقطع فيها حروبهم ومناوشاتهم. وفى غضون ذلك استطاع ملوك دنقلة أن يفرضوا عليهم سلطانهم وأن يكرهوهم فى النهاية على دفع الجزية. وكان الجوابرة قد أوشكوا على هزيمة الغربية وإخضاعهم ، فاستغاث هؤلاء بالسلطان سليم الأول فى القسطنطينية ، فأرسل إليهم بضع مئات من الجنود البشناق تحت إمرة قائد يدعى حسن ، قوسى واستطاع هؤلاء أن يكرهوا الجوابره والدناقلة على الجلاء عن النوبة والارتداد إلى دنقلة. ومما هو جدير بالذكر أن سراة دنقلة اليوم أصلهم من قبيلة الجوابرة. على أن بعض أسر الجوابرة ظلت فى موطنها تعيش مسالمة ، وما زال أسلالهم الذين يسكنون الدر ووادى حلفا يعرفون بهذا الاسم إلى اليوم.
وقد بنى الجنود البشناق القلاع الثلاثة ، أو على الأصح أصلحوا هذه الأبنية الثلاثة الموجودة فى أسوان وإبريم وصاى. وحصلت حاميات هذه القلاع على امتيازات لهم ولأبنائهم وأحفادهم الذين احتلوا بعدهم القلاع والأراضى الملحقة بها. ومن بين هذه الامتيازات إعفاؤهم من شتى ضرائب الأرض التى فرضها السلطان سليم على أملاكه كلها. كذلك رؤى أن البلد لا يستطيع أن ينتج ما يكفيهم من
__________________
(١) كذلك ينحدر معظم فلاحى مصر ـ إلى الشمال من بنى سويف ـ من قبائل مغربية أو عربية. بل إننى لقيت فى مصر قوما أصلهم من بدو الشام.
(٢) ينقض هذا الزعم ما ثبت فى كتابات الباحثين المحدثين من الأوربيين من أن انتشار الإسلام والعروبة حدث يفضل استيطان العشائر العربية بين الجماعات النوبية وقيام المصاهرات بين القادمين وأصحاب البلاد الأصلية (غربال)