طعام ، فاجرى عليهم معاش سنوى من خزينة السلطان بالقاهرة. وكان يدفع لحامية إبريم أربعة أكياس ، تعادل اليوم مائة جنيه فقط ، ولعلها كانت تساوى فى ذلك الوقت أربعة أمثال هذا المبلغ. كذلك جعلت هذه الحاميات مستقلة عن ولاة مصر. وكان معاشها يدفع لها ما دام للولاة سلطان على مصر ، إلا أن المماليك كانوا يحبسونه عادة. وقد حكم حسن قوسى النوبة بجنده ، ومعظمهم من الفرسان ، وكان دائم الحركة فى أرجائها ، وكان يدفع لوالى مصر «الميرى» كل سنة ، ولكنه كان فيما خلا ذلك مستقلا عنه. وما زال أحفاد هؤلاء الحند البشناق الذين صاهروا عرب الغربية والجوابرة يحتلون الأرض التى منحت لأجدادهم فى أسوان وإبريم وصاى ، وما زالوا يتمتعون بالإعفاء من شتى الضرائب والالتزامات ، وهم يسمون أنفسهم «قلعتجية» أو أهل القلاع ، أما النوبيون فيسمونهم «العثمانلية». وقد طال نسيانهم للغتهم القومية ، ولكن قسمات وجوههم تنبىء بأصلهم الشمالى ، ولون بشرتهم أسمر فاتح ، أما بشرة النوبيين فأقرب إلى السواد وهم مستقلون عن حكام النوبة الذين يحسدونهم أشد الحسد ، وكثيرا ما يشتبكون معهم فى حرب سافرة. ويحكمهم أغواتهم الذين يعتزون إلى اليوم بالفرمانات التى لم تجعل لهم سيدا سوى السلطان.
وحدث قبل خمسين عاما أن شيخ عرب الهوارة ، واسمه همام بسط سلطانه على الإقليم من أسيوط إلى أسوان ، ثم مد نفوذه على النوبة التى زارها مرات ، وبلغ نفوذه المحسّ. أما اليوم فحالة البلاد السياسية يمكن أن تشبه ، من الناحية الشكلية على الأقل ، بحالتها يوم بسط حسن قوسى سلطانه عليها. والحكام الثلاثه الحاليون (١) ـ حسين وحسن ومحمد ـ هم أحفاده ، وكان أبوهم يدعى سليمان ، وقد اشتهر أمره لحزمه وسطوة حكومته. ولقب كاشف الذى اتخذه الإخوة الثلاث يمنح فى مصر لحكام الأقاليم. ويدفع الإخوة ضريبة سنوية قدرها ١٢٠ جنبها لوالى مصر ، وهو ما قدّر به ميرى النوبة الذى يحاسب عنه الباشا أمام الباب العالى. وقلما كانت تدفع هذه الضريبة فى عهد المماليك ، ولكن محمد على يتسلمها بانتظام منذ ثلاث
__________________
(*) حين احتلت العساكر التركية التى يقودها إبراهيم بك النوبة حتى وادى حلفا ، بعد أن طردت المماليك إلى الجبال الشرقية ، تقهقر الحكام الثلاثة هم وأتباعهم إلى دنقلة وظلوا بها حتى انسحب الترك إلى أسوان ، فعاد الحكام إلى الدر.