واضطر حتى أغنى بكواتهم إلى بذل آخر فلس لإطعام جندهم ، لأن العرب كانوا يبيعونهم الزاد بأفحش الأثمان. ولما حرموا أسباب النعيم والترف التى كانوا يتقلبون فيها بمصر منذ صباهم ، رأى ابرهيم بك الفرصة مواتية لاقتناصهم فى الفخ كما فعل أبوه بإخوانهم فى القاهرة. وإذ صحت عزيمته على ذلك أرسل إليهم يؤمنهم ويقطع لهم أوثق العهود إذا هم نزلوا من الجبل ، ويتعهد بتقليدهم وظائف فى حكومة محمد على تتفق ومراتبهم. ولا يكاد المرء يصدق كيف انطلى هذا العرض الكاذب على أكثر من أربعمائة مملوك على رأسهم عدد من البكوات ، مع علمهم بمذبحة القاهرة التى وقعت فى العام السابق. وهبط المماليك الجبل فى جماعات صغيرة ، وبينما هم فى الطريق جردهم الخبراء الخونة من ثيابهم ، فوصل الجميع معسكر ابراهيم بك ـ قرب إسنا ـ عراة باستثناء ثلاثين منهم تقريبا. وبعد أن التأم شملهم ولم يعد ينتظر وصول هذه القلة صدرت الإشارة بذبحهم ، فذبحوا عن بكرة أبيهم ، هم ونحو مائتين من العبيد السود ، ذبح النعاج فى ليلة واحدة ، ولم يترك منهم على قيد الحياة سوى مملوكين فرنسيين إجابة لرغبة طبيب ابراهيم بك. ومثل هذا النكث للعهود يقع بين الترك كل يوم ، وأعجب العجب أنك لا تزال تجد من الناس من بلغت بهم الغفلة مبلغا يوقعهم فى فخاخ كهذه.
وبلغنا جبل حباتى بعد ثمانى ساعات وربع ، وكوبان بعد ثمان ونصف ، وتقع كوبان تجاه معبد الدكة الجميل الذى يقوم على الضفة الغربية.
٢٧ فبراير ـ وعلى مقربة من كوبان أطلال مدينة قديمة يحيط بها سور من اللبن كثير الشبه بسور بلدة الكاب Eleithias الواقعة شمالى أدفو. ويبلغ طول ضلعه المستطيل نحو مائة وخمسين خطوة ، وعرضه مائة ، وسمكه يزيد على عشرين قدما ، وارتفاعه فى عدة مواضع أكثر من ثلاثين. وتشتمل المنطقة التى يحيط بها السور على خرائب مساكن مبنية بالحجر والآجر. ورأيت تيجانا لأعمدة صغيرة من الطراز المصرى ملقاة هنا وهناك. وفى ظاهر الركن الجنوبى