وقد استفحل أمر هذه الأرجال الشرهة فكانت تنتشر فى الجبال أحيانا انتشارا واسعا فتأتى على كل أخضر مورق ، وكثيرا ما تصل ماشية البدو إلى حالة يرثى لها إذا نكبت بغارات الجراد.
٧ مارس ـ خرجنا من الوادى بعد ساعتين ولقينا بعض العرب البشارين وهؤلاء البدو الذين ذكرتهم من قبل فى معرض الحديث عن رحلتى لدنقلة يقضون الشتاء فى الجبال القريبة من البحر الأحمر ، وهى جبال تحفل بالكلأ عند سقوط الأمطار الشتوية ، فإذا أقبل الصيف اضطرتهم قلة الآبار والعيون إلى الهجرة إلى قرب النيل حيث الآبار موفورة. وكنا الآن نضرب فى سهل رملى مكشوف أجرد تقوم إلى شرقيه الجبال الشاهقة وعلى كثب منه إلى الغرب تلال منخفضة. ووادى أم الحبال كله من الجرانيت. ولكنى لقيت فى هذا السهل الحجر الرملى والمرو مرة أخرى. وقضينا زهاء خمس ساعات فى عبور هذا السهل المسمى بركة دخان. وبعد رحلة سبع ساعات من السير الوئيد صوب الجنوب الشرقى وقفنا عند مدخل سلسلة من الجبال الواطئة وجدنا فيها مرعى طيبا وفيرا. ويكثر فى هذا المكان تمو أعشاب تدعى الطويلة ، وهى طعام جيد للإبل ، ومذ رحلت عن دراو لم ينقطع الخلاف بينى وبين الرجل الذى ابتاع جملى وحمل عليه بضاعتى. ذلك أنه أخذ على عاتقه نقل بضاعة أخرى لم يكن للجمل بحملها طاقة ، فكان يريد التخفيف عنه بمحاولة وضع بضاعتى على حمازى مع أنه تسلم ثمن نقلها. وأعيا الجمل عن السير هذا المساء ، فرمانى الرجل بأننى غششته وبعته بعيرا مهزولا ، وأصرّ على أن أرد إليه نقوده ، ولكنه ما لبث أن عدل عن هذا الطلب. وكان العدل ، والعرف السائد حتى بين التجار أنفسهم ، يقضيان بأن يتحمل الرجل أجر نقل بضاعتى من هذه اللحظة ، ولكنه راح يحلف ويندب حظه على مسمع من الجميع ، وزعم أن الخراب والإفلاس قد حلا به ، وأخذ يحثو التراب على وجهه حزنا وتفجعا حتى رقت له قلوب شيوخ القافلة فانحازوا لصفه ، واضطررت آخر الأمر للاتفاق مع أحد العرب العبابدة على حمل بضاعتى من جديد ، ولما كنا قد سلخنا من سفرتنا ستة أيام فقد خف ثقل الزاد وخف معه حمل الجمل يوما بعد يوم ، وهذا ما يعتمد عليه التجار دائما فلا