فسرنا خمس ساعات وصلنا بعدها وادى نقيب وبه آبار لها هذا الاسم ، وهو حافل بأشجار السنط ، وعند طرفه بئران عميقتان لا بأس بمائهما.
كانت معاملة رفاقى لى مذ رحلنا عن دراو تنطوى على الإغفال بل قل على الامتهان والازدراء. ولست أشك فى أنه لم يدر بخلدهم قط أننى أوربى ، بل حسبونى تركى الأصل ـ من تركية أوربا أو من الأناضول ـ وهو رأى يكفى فى ذاته لحمل العرب على الإساءة إلىّ وتحقيرى ، لأنهم يكنون للعثمانيين أشد ضروب البغض والكراهية. وكنت أحمل معى فرمانا من حاكم الصعيد إبراهيم باشا بن محمد على باشا ، مشفوعا بخطاب توصية وجهه إلى كل ملوك السودان فى طريق سنار ، وقد سميت فى الفرمان والخطاب بالحاج أو الشيخ إبراهيم الشامى. على أننى لم أطلع رفاقى على شىء من هذا كله لأسباب لا تخفى ، وكل ما فهموه عنى هو أننى حلبىّ المولد ، وكانوا يعلمون أننى صديق حميم لحسن بك والى إسنا الذى تدخل دراو وفى نطاق ولايته ، وصديق لآل حباتر الإسناويين ذوى التجارة العريضة ، وهم الذين أوصوا بى مراسل الوالى فى دراو. ورأى رفاقى أننى لم أجلب من البضاعة إلا أقلها فحسبونى هاربا من مصر بسبب ديونى. ولكنى زعمت لهم أننى أبحث عن ابن عم لى مفقود كان قد غادر أسيوط من سنوات قاصدا دارفور وسنار فى تجارة أودعت فيها كل مالى. وكانت هذه الحجة التى بررت بها رحلتى تلائم عقلية القوم كل الملاءمة ، فإن ما كنت أحمل من بضاعة ضئيلة لم يكن ليبرر خروج رجل يتمتع بقواه العقلية فى رحلة كهذه لا يبغى منها غير الكسب ، فقصارى ما يرجوه من ورائها مهما فسح أمله وعظم تفاؤله هو أن يعود برأس ماله سليما بعد أن يؤدى كل نفقات الرحلة ، لذلك وجدتنى مضطرا إلى اختلاق عذر أبرر به خروجى فيها ، فرحت أردد على مسمع رفاقى أننى كبير الأمل فى العثور على ابن عمى المفقود ، أو على الأقل فى القصد فى النفقة قصدا يجنبنى الخروج من الرحلة خاسرا. ولعل أصحابى لم يكذبوا قصتى ، ولعلهم كذلك لم يستبعدوا أننى خرجت من مصر هروبا من الدائنين ، على أننى تبينت فى الوقت نفسه أنهم لم