يستطيعوا أن يخلوا أنفسهم من الغيرة والحسد ، ولعلهم رأوا أننى إن عدت من هذه الرحلة مقتنعا بما تدره التجارة من ربح فقد لا أعدم وسيلة لرحلة ثانية أخرج فيها للسودان برأس مال كبير. وأحسب أن هذا هو الذى حملهم على إساءة معاملتى حتى أعدل عن أية محاولة أخرى من هذا القبيل. ولقد حاول أتراك كثيرون من الأناضول أو من تركية أوربا ـ فى السنين العشر الأخيرة ـ أن يشتغلوا بهذه التجارة ، ولكن أهل دراو ما فتئوا يجدون الوسائل لتنفيرهم تنفيرا يزهدهم فى إعادة الكزّة من جديد. كان لدى التجار إذن من الدوافع ما يحملهم على الإساءة إلىّ ، ولما تبينوا فىّ فوق هذا كل مظاهر الإملاق ، ورأونى أقطع الخشب وأطهو طعامى وأملأ قربى بيدى ، لم أفضل فى نظرهم أجيرا من الأجراء الذين يستخدمهم التجار لقاء عشرة ريالات ينقدونها الواحد منهم فى الرحلة من دراو إلى القوز أو شندى ثم إلى دراو ثانية. وكنت حريصا على الإبقاء على العلاقات الطيبة بينى وبين آل علوان وكانوا وجوه التجار المصريين فى القافلة ، وخيّل إلىّ أن وساطتهم قد تنفعنى فى بلاد الزنج. ولكنهم حين رأونى بالغا فى الإملاق مبلغا لا يطمعون معه فى الحصول على أى عطاء منى ، نسوا كل ما أغدقت عليهم قبل رحيل القافلة ، وخلت معاملتهم لى من كل أدب واحترام. فبدأوا يغتابون حسن بك والى إسنا ويسبونه بأقذع الألفاظ وراحوا يقولون : أما وقد صرنا الآن فى البادية ، فإن جميع البكوات والباشوات لا يساوون فى نظر ناقلامة ظفر. فلما لم أبال كثيرا بما يقولون راحوا يخاطبوننى بعبارات ملؤها الزراية والتحقير ، وكانوا لا ينادوننى إلا ب «الولد». وكانت إهاناتهم لى تزداد يوما بعد يوم ، ولكنى كظمت غيظى ولم أرد على الإهانة بمثلها ، فغاية ما كانوا يشتهون هو استفزازى حتى إذا رددت على شتائمهم وجدوا تكأة تبرر اعتداءهم علىّ بالضرب ، وكنت فى بداية الرحلة أنضم إلى آل علوان حين تحط القافلة مساء ، وإن كنت أطهو طعامى مستقلا عنهم. على أنهم سرعان ما أقصونى عن جماعتهم ، واضطررت إلى اعتزال الجميع بعد أن أذاع الدراويون أن أشياء سرقت من متاعهم وأنهم يشتبهون فىّ. ولست أريد أن أسرد كل ما أتاه القوم ، ويكفى أن أقول إنه لم تكن تمضى علىّ ساعة دون أن ألقى