الإهانة منهم بل من أحقر خدمهم ، فقد نهج الخدم نهج سادتهم ، بل بزوهم فى هذا المضمار. ولما وصلنا بئر النقيب ومضت الإبل والحمير لتشرب وحملنا القرب لنملأها نزل بعض رجال القافلة إلى البئر جريا على عادتهم ليملأ والدلاء ، فى حين ظل البعض فوقها لسحب الدلاء. ولما لم يكن لى صاحب ينزل البئر ليستقى لى فقد اضطررت للبقاء عند البئر طوال العصر حتى جنحت الشمس إلى الغروب ، مما كان باعث سرور وتسلية لرفاقى ، ولو لا أن أحد الخبراء أعاننى أخيرا وسحب دلوى بعد أن ملأته من البئر لما استطعت التزود بحظى من الماء.
وانضمت إلينا فى النقيب جماعة صغيرة من التجار كانوا قد تعجلوا الرحيل من دراو فغادروها قبلنا بثلاثة أيام ، ولكنهم رأوا من الخرق أن يعبروا الصحراء وحدهم ، فانتظروا أياما فى هذا المكان حتى لحقنا بهم.
١٠ مارس ـ بلغنا وادى حيمور بعد أن سرنا ثلاث ساعات فى إقليم صخرى وعر سلكنا فيه طريقا يحفل بالحجارة المتفتتة. ووادى حيمور مجموعة آبار ذات شهرة ذائعة فى هذه الصحراء. وقبيل بلوغنا هذا المكان مررنا بقبرميت من وجوه المماليك لقى حتفه هناك فأودع أصحابه جثته العارية بين جدران واطئة بنوها بالأحجار الصغيرة ، ثم غطوا القبر بحجر كبير. وساعد جفاف الجو على حفظ الجثة من العطب ، وتطلعت إليها من خلال شتفوق الحجارة المحيطة بها فبدت لى أسلم من أى مومياء رأيتها فى مصر. ورأيت الميت فاغرا فاه ، وروى الخبير أنه مات ظمأ مع أن مورد المياه كان قاب قوسين منه أو أدنى. وتفصيل ذلك أن البقية الباقية من المماليك ـ يقودهم ابراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن ـ كانوا قد رحلوا عن ضفاف النيل قرب إبريم سنة ١٨١٠ فرارا من جنود الباشا الذين كانوا يتعقبونهم أينما حلوا ، فاعتصموا بهذه الجبال وحلوا على عرب العبابدة ضيوفا فأنزلوهم مضاربهم ولكنهم لم يتركوا وسيلة إلا التجأوا إليها ليبتزوا منهم كل ما يحملون من مال. فباعوهم الزاد بأفحش الأثمان ، ولما نضبت الآبار لكثرة ما استقت منها جماعة المماليك الكبيرة ، اضطروا للركون إلى أدلائهم العبابدة فى التنقل بهم من بئر