إلى بئر. وكثيرا ما كان العبابدة فى هذه الجولات يطوفون بضيوفهم فى طرق دائرة ليخلقوا أزمة ماء مؤقتة ، فيبيعونهم قرب الماء بأبهظ الأثمان بعد أن يملأوها سرا من نبع قريب. وفى أزمة من هذه الأزمات المفتعلة قضى المملوك المذكور نحبه ، وقضى معه آخرون دفنوا بقربه. أما سائر الجماعة فقد ظلت أسابيع بوادى حيمور ثم أمروا خدمهم وحشمهم الذين لم يكن لهم بهم حاجة بالرحيل ، وكان من هؤلاء راقصات مصريات بارعات الجمال ، وكان ثمن مفاتنهن قد ارتفع فى الجبل بنسبة ارتفاع كافة السلع ، فأصبن بذلك حظا موفورا من المال فى أمد وجيز. وألّف هؤلاء الأتباع والخدم الذين صرفهم سادتهم قافلة ، وأخذت القافلة سمتها إلى أسوان بإرشاد خبراء من العبابدة ، وإذا الخبراء يختفون ليلا قبل أن يبلغ الركب النيل بيوم ، حتى إذا انبلج الصباح هاجمتهم فئة كبيرة من العبابدة ، فسلبتهم ما يملكون وجردتهم من ثيابهم ثم أذنت لهم بمواصلة رحلتهم إلى مصر. ويبرر العبابدة غدرهم فى هذا الحادث وفى غيره من الحوادث التى سطوا فيها على كثير من المماليك الضالين وفتكوا بهم بأن المماليك كانوا البادئين بالعدوان ، وبأنهم أثبتوا أنهم ليسوا أهلا للثقة ولا للرعاية التى هى حق من حقوق الضيف ؛ فقد ذبحوا ماشية البدو واستباحوا نساءهم. ولعل بعض هذا قارفه المماليك ، ولكنه لا يبرىء العبابدة الذين يعلم القاصى والدانى ما فى طبعهم من غدر وخيانة. وتنبع آبار وادى حيمور وسط سهل رملى صغير يقوم بين التلال الصخرية. والماء فى بئر منها أو بئرين لا بأس بمذاقه ، ولكنه فى معظمها زعاق كريه وإن كان يتدفق مدرارا. وعلى حواف الآبار طبقة من النطرون ، وقد رأينا الأرض حول الآبار مغطاة بروث الإبل والخيل المتخلف منذ عسكر المماليك بهذا المكان ، وانتشرت فيه النعال العتيقة وقطع الخيام وخرق الثياب القديمة وسهل حيمور تؤمه جماعات البدو البشارين انتجاعا للكلأ ، ولكنهم يلتزمون بدفع ضريبة سنوية لرؤساء العبابدة لأن الآبار تدخل فى نطاق أملاكهم. وكثيرا ما يلتحم الفريقان لهذا السبب ، ولكن العبابدة أصبحوا اليوم أقوى من خصومهم وأشد خطرا ، وهم كذلك أوفر مالا لما بينهم وبين مضر من تجارة. ولا