اثنين من بكوات المماليك ـ وهما إبراهيم بك الجزاير لى وعثمان بك بهنس ـ كانا قد تخلفا معتصمين بهذه الجبال ومكثا مع العرب بعد رحيل زملائهم من البكوات إلى دنقلة ، معللين النفس بالعودة إلى مصر إذا تغيرت الحال بها غير الحال ، ولكنهما اضطرا فى النهاية ، تحت ضغط الفاقة ، أن يأخذا خمسا من نسائهم وخادمين فقط (١) ويلحقا بإخوانهم. وكان العرب قد ابتزوا منهما كل ما يملكان من مال ومتاع ثمنا لما يبيعونهما من زاد. وكانت خيولهما قد نفقت ، ومماليكهما تولوا عنهما ، وثيابهما ومعداتهما قد بليت وتمزقت. فلما انتهيا إلى هذا المصير أطلقا فكرة الكر على مصر من جديد وخرجا من المكان الذى اعتصما به قرب شواطىء البحر الأحمر تجاه جدة ، واتخذوا ومن معهما الطريق إلى الدر ، ولكنهما ارتدا إلى الجبل مسيرة يوم حين سمعا بنبأ هذا اليونانى والجند الأربعة الذين ذكرت آنفا ، حتى إذا أخبرهما جواسيسهما برحيلهم استأنفا السير ، فبلغا الدر قبل أن أبلغها بيوم واحد.
وسرت من ساعتين إلى ثلاث بحذاء شاطىء صخرة تجاه جزيرة ضرار ، وهذه الجزيرة مزروعة بعناية ويقطعها المرء طولا فى ثلاثة أرباع الساعة. وعلى الضفة الغربية قرية قورنه ويمتد وادى المحرقة من ثلاث ساعات إلى أربع ، ويمتد وادى السبالة فى أقصى الجنوب من أربع ساعات إلى خمس. وهنا أسعدنى الحظ بلقاء سائحين من الانجليز هما مستر لى ومستر سملت ، ورجل أمريكى هو الكبتن بارتود ، وكنت قد شاهدت الأولين من قبل فى القاهرة وأسيوط ، وكانا قد غادرا القاهرة على ظهر سفينة ريفية بعد رحيلى عنها بيومين ، ولما بلغا أسوان استأجرا زورقا كبيرا لينقلهما للدر ، ومنها زارا إبريم ، فكانا بذلك أول الأوربيين الذين بلغوا هذا البلد وفحصوا الآثار التى بينه وبين جزيرة فيلة ، لأن
__________________
(*) أكد لى بعد ذلك خادم من خدم هؤلاء البكوات لقيته بالدر ـ وهو مسيحى يونانى من بروسه بآسيا الصغرى ـ أن أفراد هذه الجماعة ، حين عجزوا عن الإقلاع عن التدخين ، وانعدم التبغ فى الجبال ، كانو يحشون قصباتهم بروث الغزلان الجاف.