«نوردن» لم ير هذه الآثار إلا بمنظاره المقرب. وقد استوقفتهما فى زورقهما وأنا راكب جملى بحذاء النهر. وقضينا يضع ساعات سويا ، ثم استأنفا رحلتهما شمالا إلى أسوان. ووصلت وادى نعمة بعد خمس ساعات ونصف ، وباردة بعد ست ساعات ، وكوقان بعد ست ونصف. وهنا رأيت عددا كبيرا من التماسيح ، وهذا أول ما رأيت منها بعد رحيلى من القاهرة ، لأن طريقى فى مصر قلما كان يلاصق النهر. وهنا أيضا لاحظت وجود الجسور الحجرية فى النهر فى مناطق عديدة. وبلغنا وادى النصرلاب بعد سبع ساعات ونصف. وإلى الجنوب من كوقان بساعتين تحدق الجبال بالنهر فلا يتسع الشاطىء لا للمرور ولا للزراعة طبعا. ومررنا بعدة مجار للسيول ، وبعد سفر ثمانى ساعات ونصف وصلت وادى المضيق حيث قضيت الليل.
٢٨ فبراير ـ وعلى مسيرة ساعة من وادى المضيق يقع وادى السبوع. ويطلق عليه هذا الاسم نسبة لتماثيل أبى الهول التى لها أجسام السباع ، والتى تقوم أمام المعبد المتهدم المشيد على الضفة الغربية تجاه وادى السبوع. والزرع فى هذه البقعة أزكى منه فى أى بقعة مررت بها من أسوان إلى الدر. وسكان وادى السبوع ، وسكان وادى العرب إلى الجنوب منهم ، تجار نشيطون أغنياء. وهم يسلكون الجبل إلى بربر حيث تقع «القوز» التى ذكرها «بروس» وتبعد عنهم مسيرة ثمانية أيام ، ومنها يجلبون السلع المختلفة التى تحفل بها أسواق سنار. والطريق مأمون جدا حتى إن جمأعات منهم تصل كل أسبوع تقريبا ومعها أربعة جمال أو خمسة محملة بالبضائع. ولكن أخلاق هؤلاء التجار منحطة ، فهم غادرون محتقرون لبخلهم. وأهل وادى السبوع ووادى العرب لا ينتمون لقبيلة الكنوز كجيرانهم ولكنهم من العليقات الذين أتوا أصلا من الحجاز (١).
__________________
(*) زرت بعد ذلك جبال سيناء فوجدت فيها قبيلة أخرى من البدو تسمى العليقات ، تقيم فى وديان سيناء الجنوبية. وقد أكدو الى أن عرب العليقات بالنوبة بنو جلدتهم ، وأنهم فى الأصل شعبة منهم. ومنذ سنوات عقد عربى من عليقات سيناء النية على زيارة عرب النوبة ، وجمع بعض الهدايا منهم. وقد لقى حفاوة فى وادى السبوع بحكم القرابة ، وعاد بعدد من الإبل اشتراها بما جادت عليه به كل أسرة.