بعد خمس ساعات. ووادى علاقى واد طيب يمتد من الشرق إلى الغرب ، وينتهى أحد طرفيه قرب البحر الأحمر فيما روى لى وطرفه الثانى قرب النيل. وفى موسم الأمطار تتجمع السيول الغزيرة فيه وتصب مياهها فى النيل ، والوادى عامر بالكلأ النضر والشجر الكثير ، وهذه المزايا النادرة تجعل له فى نفوس البدو منزلة أى منزلة. وقد حياه الخبراء حين دنوا منه تحية إكبار وإجلال ، وحمدوا الله على أن بلغوه سالمين «السلام عليك يا وادى علاقى الحمد لله الذى جيناك بالسلامة». وفيما كنا نعبر الوادى ـ وعرضه زهاء مائة وخمسين ياردة ـ أخذ كل منهم حفنة من الذرة وبذرها على الأرض قربانا للروح الطيب الذى يظل الوادى فى اعتقادهم. وبعد ست ساعات دخلنا وادى أم قات وبه خزان لماء المطر تستريح عنده القوافل ولكنا وجدناه جافا. ولم نمرّ للآن بواد حفل بأشجار السنط كما حفل بها هذا الوادى ، ورأينا أرجال الجراد وقد تكاثرت على الأوراق والأغصان الغضة تلتهمها التهاما. أما الأرض فمكسوة بالحنظل ، وهو نبات شائع فى كل أرجاء هذه الصحراء. وأخذ المسافرون يتلهون بقذف كرات الحنظل وصدها بدرقاتهم فى مهارة عجيبة. أما أنا فلم أكن لسوء الحظ أملك درقة فظل أصحابى الدراويون يصوبون كراتهم إلى رأسى فى إسراف اضطرنى آخر الأمر إلى أن أستجير برئيس القافلة ليحمينى ، وقد أنقذ هذا الإجراء أنفى من إصابة لا ريب فيها ، ولكن القوم لقبونى بعده «بالواد الخواف» وعلق بى اللقب أياما حتى خلعوا علىّ شرامنه. وكانت وجهتنا اليوم جنوبا بغرب. وتربة وادى أم قات رملية خالصة ، أما التلال فيزول عنها مظهرها الوعر الشائه وتتخذ شكل السلاسل المنتظمة. ورأيت معظم الأشجار جافا لأن الأمطار لم تهطل عليه ثلاث سنين تقريبا ، وقد أدهشنى ألا أرى فى الرمل آثار أقدام حيوانات متوحشة ولا فى الجو طيورا خلا بعض الغربان. وصادفنا كثيرا من البشاريين ومعهم جمالهم المحملة بالسنمكى يقصدون بها الدر ليبيعوها أو يستبدلوا بها ذرة. ولبثنا العشية كلها نضرب فى الوادى ثم حططنا بعد مسيرة تسع ساعات.
١٢ مارس ـ قمنا قبل الشروق ، فبلغنا نهاية وادى أم قات بعد ثلاث ساعات وتلال هذا الوادى كلها من الجرانيت ، ودخلنا هنا سهلا رمليا فسيحا ، ثم سرنا